دمشق بوابة الحب إلى كراهية الجوار.
منذ عداوة دمشق لبغداد ظلت العاصمتان أختين لا تتنازل أحداهما عن حزن الأخرى ولا عن كأسها التي تفيض بالحرية والمحبة والسهر والخوف أحياناً.
الحرية في دمشق هي إن العراقي في مأمن: أما يزور قبر السيدة زينب، أو يقيم لاجئاً لأئذاً من حاكم عدو في بغداد.
المحبة: سوريون فتحوا بوابة العقل أمام مأساة السياسة وأحبوا ثقاقة الوافدين، فنانين وشعراء وقراء، فكانت القلوب تنفتح قبل العقول.. العاطفة قبل العقل سجية شرقية والكأس قبل التعارف غريزة سورية.. مثقفو سوريا الأحرار احتضنوا مثقفي العراق الأحرار، وكان الفضاء الجامع هو مقاومة الدكتاتورية والاستبداد.
لكن صديقتي السورية، اليوم، حزينة لأن إسرائيل قصفت مواقع قريبة من الشام أخيراً.أنا حزين أيضاً وطبعاً.
سوريا تحارب الجميع عدا إسرائيل.. لأن تل أبيب تقصف مواقع سورية بينما تكتفي دمشق بـ "الاحتفاظ بحق الرد"!!
متى يحين حق سوريا بالرد؟
صديقتي مرتبكة مثل سوريا.. فهي تعشق سوريا، مثلي، لكنها لا تريد التفريق بين سوريا ونظامها القمعي.
مثل بعض "جماعتنا" أيام صدام حسين: "عراق صدام حسين" = "سوريا الأسد"!قلت لها: أنت تحكين مثل بثينة شعبان فزعلت!
أوضحت: أن دمشق رائعة، ومن السوريين أصدقائي أكثر من العراقيين. وأنني عشت بدمشق أجمل سنوات منفاي، وفيها أحببت وتزوجت، وجعت وشبعت وحلمت وسهرت وعشقت وقرأت وكتبت..
نحن، العراقيين، لم تكن مشكلتنا، لاجئين، مع نظامكم بل مع نظامنا، فكنتم تغضون النظر عن "زعرناتنا" ولنا منظمات وأحزاب تحمينا.
لكن ظلت دمشق بيتنا الدافئ بالحب والأوبرا والتسكع بباب توما وبساتين داريا وصباح فخري وحانة نينار ومكتبة الأسد ومطعم شاميات ومرمر وعصير أبو شاكر وشاورمة الريان.
قالت ساخرة مني: هذا ما كان في زمن "الطغاة".. كما تسميه، وكانت دمشق في أجمل حالها!
علقت: كثير من العراقيين يقولون اليوم: بغداد في أجمل حالها وحلتها أيام صدام حسين.كذلك برلين أيام الفوهرر.. بينما تغص السجون بالمعتقلين السياسيين الذين تعفنوا في زنازينهم عشرات السنين.
الدكتاتوريون، يا صديقتي، مولعون بأبهبة الاستعراضات والمظاهر الخارجية والعمران وأقواس النصر والمهرجانات.. بينما تنام الأحياء الشعبية على لحوم بطونها والرعب من الطرق على الأبواب والاعتقال الكيفي وسلطة شرطي عادي قد تودي بفيلسوف مهم وشاعر مؤثر.
ثم قلت: لا أريد لكم خيارنا الصعب: بين الطغاة والغزاة.
قالت (مجاملة): أتفهم رأيك. علينا أن ندافع عن الوطن.
قلت متخففاً من رأيي: أي وطن؟ كان بعض (جماعتنا) دعونا إلى الدفاع عن الوطن أثناء الحرب العراقية الإيرانية. هل كان علينا أن ندافع عن الوطن تحت راية دكتاتور قاتل؟
حاولت أن أجعل حوارنا الملتبس أقل قسوة والتباساً: أنت صديقتي حتى لو كنت تتحدثين مثل بثينة شعبان!
البعث لا يفسد للود قضية!
بل قلت: أنت أجمل من أن تدافعي عن دكتاتور.
لكنها تجاهلت جملتي وحاولت مخاطبة الجانب الفلسطيني من تجربتي وعاطفتي: ألست من المؤمنين بالحرية والمدافعين عن الرأي الآخر؟ أنا (شبيحة) وأحب "الدكتاتور" ومن خلاله أحب وطني، سوريا، وأدافع عنه، وهذا "الدركتاتور" هو ابن "الدكتاتور" الذي خاض حرب تشرين عام 1973 ودفع جيشه آلاف الشهداء من أجل فلسطين، وهو الذي دافع عن لبنان وحرر الجنوب عام 2006، مع شرفاء "حزب الله"....
رددت أنا: أن دكتاتوراً يقمع شعبه لا يمكن أن يحرر شعباً آخر.. الدكتاتور دكتاتور على جميع الجبهات.. كل دكتاتوريينا رفعوا راية "يا فلسطين جينا لك" عالياً، وكلما تكومت تحت بساطيلهم جثث المناضلين ارتفعت الراية أعلى وأعلى.لسوري خليل
رجاء اقرأي كتاب مواطنك الكاتب السوري خليل صويلح (جنة البرابرة) وهو يورد ملخص قصة قصيرة لكاتب أجنبي تروي مشهد مواطن وجد نفسه على سكة قطار مقبل بشكل مفاجئ باتجاهه فإما أن يصدمه القطار أو يلقي بنفسه في بحيرة مليئة بالتماسيح!!.
لم تقتنع، طبعاً، بما قلت.. ولم أقتنع بما قالت.
حوار مع صديقة سورية
[post-views]
نشر في: 29 ديسمبر, 2014: 09:01 م