اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > مسرحية (هـ.. ا.. م.. ش).. خطاب التقانة وامتياز التجريب

مسرحية (هـ.. ا.. م.. ش).. خطاب التقانة وامتياز التجريب

نشر في: 29 ديسمبر, 2014: 09:01 م

يُعد الممثل في فضاء خطاب العرض بداهة أدائية/ ركحية  تتغيب ازاءها منظومة العلامات المسرحية ، ويأتي تمركزها بشكل جماعي متكافل ومتناوب وفق سنن الاتصال والبث ، وتلك بداهة تاريخية لها جدليتها ومشهدية المنجز الحضاري والثقافي ، فالخطاب المسرحي مشروع تم

يُعد الممثل في فضاء خطاب العرض بداهة أدائية/ ركحية  تتغيب ازاءها منظومة العلامات المسرحية ، ويأتي تمركزها بشكل جماعي متكافل ومتناوب وفق سنن الاتصال والبث ، وتلك بداهة تاريخية لها جدليتها ومشهدية المنجز الحضاري والثقافي ، فالخطاب المسرحي مشروع تماوج وتنافي مع ذاته واتجاه المنظومة التقانية الناجزة لتستقر من بعد المدارس الإخراجية في تمرحلات الحداثة وما بعدها وما بعد بعدها بخلق فضاء للتباري والأداء البشري لجسد الممثل بكل محمولاته ، والفضاء المسرحي حيال ذلك معني بتعادل ومضاهاة في الإرسال والأداء رغم تقدم الممثل علامة كبرى للبث والإرسال.

 
وكان للمنجز الثقافي في منظومة علوم القرن العشرين محاولات لنزع مصادر قوة العلاقة البشرية / الممثل بكل سماتها الطبيعية ، وثمة جملة محاولات بأثر العلوم التجريبية تهدف الى التسلل الى الجسد البشري عموماً لتثيره جسداً (متأتمتاً) والأخذ بالأداء المورفولوجي الضابط في تعاقب الإشارات والحركات والأوضاع وأجزاء الجسد ذاته ، وشرعت تلك المحاولات في مسميات مثل ( السوبرمارنيوت ، البايوميكانيك) واتخذت تقنية الجسد الفني اتجاهين في: 
1. التداخل الموضوعي/ التقنوي/مايرهولد
2. الانبعاث الداخلي/ الصوفي/ كروتوفسكي
ولعل في التقانات المستجدة التالية لهذين الاتجاهين تجاوزا يطمح الى حلول العنصر التقاني داخل بنية الأداء الجسدي ذاته ، وفق علم ( البيوتيقا) وما تشيعه العلوم من انجاز حضاري بالإضافة الى مخلفاتها من الذات الإنسانية من معاناة ومشاكل .
وفي فضاء العرض تشترط التقانة المعاصرة ترشيداً للفضاء الحركي للممثل بما تمثله / تحمله التقانة من قدرات إرسالية وبنائية لإنتاج العلامة ، لذلك تستدعي الكثير من العروض تقانات مثل ( الداتا شو) والشاشات المتحركة بهدف إثراء مستويات التعبير الأدائي لمنظومة العلامات ، وهو شأن يسهم في تعدد وجهات إشغال المتلقي وإثراء مستويات ( شعرية) خطاب العرض .
وفي عموده الأسبوعي (كواليس) في صفحة – ثقافة – مسرح / جريدة المدى وبتاريخ 18/11/2014 وتحت عنوان ( العرض المسرحي والوسائط المتعددة) يطرح الفنان الرائد الدكتور سامي عبد الحميد جملة عروض أخذت في خلق فضاءات تقنية مسجلا إياه لعدد من المخرجين مثل ( عواطف نعيم ، هيثم عبد الرزاق / عماد محمد ) ونجد استأذنا ( عبد الحميد) متحفظاً حيال تلك التقانة في جملة تساؤلات : هل كان استخدام التكنولوجيا الجديدة ضرورياً وما مدى أهمية ذلك الاستخدام ؟ وهل كان استخدامه متقناً معززاً للعناصر الدرامية ؟.
ونجد في تلك العروض بأنها ذات منحىً تقني جزئي في توظيف التقانة حين استبعدت سلطة الحوار والنص والتواصل اللفظي ، وأجدنني في موافقة لأستاذنا ( سامي عبد الحميد) بأنها لم تكن في مستويات الأس أو الماهية التي يعول عليها ( بالحتم) في أداء خطاب العرض ، فهي محض تكسير لإيقاعية الشكل البصري ويمكن عزلها دون اهتزازات بنائية ، ولعل تلك العروض تظل واجهة براقة للمسرح العراقي الذي تستكمل ورشته التجريبية بقراءة عروض خارج مسارح مدينة ( بغداد)، فثمة تجارب شهدتها مهرجانات مسرحية في محافظات مثل ( الناصرية/ البصرة/ الديوانية / كربلاء/ بابل وغيرها ) تستكمل بتجريبيتها مشهدنا المسرحي بكل تنوعه الفكري والجمالي. 
وفي عرض مسرحية ( هـ .. ا .. م .. ش ) فكرة وإخراج د. زينة كفاح الشبيبي بتقديم لمديرية رياضة وشباب بابل وبالتعاون مع كلية الفنون الجميلة ، ما يؤشر الى خصائص تجريبية في الأداء التقني وتأثيث الفضاء وإقصاء الملفوظ والنص الأدبي ومنح امتيازات أدائية للجسد والاستعانة بجنس السيناريو للبناء الدرامي فالتقانة بعدّها خطاباً سلطوياً في عموم حياتنا الإنسانية تشرع في الهيمنة قيميا للإنسان / الممثل في التراسل والبناء والتعبير المفاهيمي والجمالي.
وتذهب الرؤية الإخراجية الى إشغال الفضاء بثلاث شاشات بتقانة ( الداتا شو) تتوزع بأفقية متوالية في الفضاء ، وتتوزع كل شاشة جملة صور وأحداث ومظاهر طبيعية وسياسية وهوامش وسلطات.
ويبدأ مفتتح العرض البصري ، بمشهد شروق الشمس في إحدى الشاشات أعلانا عن نزوع وتنازع بين مكونات الطبيعة بمستوياتها المحمولة في الشاشتين الثانية والثالثة في طرحهما لمظاهر ومستويات الصراع والتنافر في فضاء الماء واليابسة ، فكانت مشاهد البحار والوديان والجبال ومكونات الأرض وطبقاتها ، متواصلة واللحظة التي تكرس ظهور المدينة وعناصرها المادية الساحقة للإنسان ، وتنبري الشاشة الأولى ببث جيوش الاستبداد وهي في مسارها واستعراضاتها وتتخذ الشاشة الثانية ظهور أسراب النمل في مسار صوب أهداف يومية ، وتقابل ذلك صور لقاعدة انطلاق الصواريخ العابرة للقارات لتظهر وفي توال آخر صور أطفال الحروب واليتامى والهوامش البشرية من ثقافات وأفراد وأموال اقتصادية .
فمقابلة السلاح/ الصاروخ/ المال ، ثمة كائنات بشرية في فضاء مكشوف / ويفرز الوضع الإنساني في الشاشة الثالثة ، سلطة الآلة وجحيمها الحياتي المهيمن في مسار الذات ، ويتميز ذلك بشاعرية واضحة بعلامة ذات وقع حسي وذهني مثل ( ثرامة) للسيارات وتحويلها الى ذرات معدنية ، ويناظر ذلك ظهور النملة بعدها الكائن الأضعف في مشاهد الوجود داخل العرض ، وما يلاحقها من مظاهر الاضطهاد والتعسف تلك التي تطال الوجود الإنساني ذاته ، فاغتراب النملة في معاشها لا يختلف عن القهر الإنساني ذاته ، فثمة السحق والمصادرة والاغتراب الجسدي والنهايات السلطوية المحتومة ، فالجسد لدى النملة في تحول من كائن الى آخر بأثر موجهات السلطة ، ليتم من بعد تمرحل تلك الحياة ، ففي الشاشة الأولى تبدو النملة في كامل كيانها الجسدي ليتم تهجينها في الشاشة الثانية / الوسطى ، منشطرة الى ثنائية الإنسان / الحيوان ، وتنتهي في الشاشة الثالثة الى كيان إنساني يقرن بالشكل العلاماتي بالإنسان الأول وعريه الجسدي ، ولعل في ذلك ما يؤشر غزارة التعبير والبناء والإنشاء الجمالي داخل تقانة ( الداتا شو) إلا إن العرض يذهب الى تعزيز إنتاجه الصوري بعدّة الجسد البشري الذي يأخذ صيغة البناء الادواتي وتعبيراً عن حالة الاغتراب والتكبيل من قبل السلطات الثلاث ممثلة في الشاشات ، فكأن جسد الممثل (حسين الدرويش) فاقد لبعده الإنساني بأثر انفراز السلطات في كيانها الفيزيقي ويترتب على ذلك إن يبدو الجسد بحالات تعبيرية هي الأقرب الى العدّة والآلة منها الى شفافية الجسد البشري المألوفة .
وينفتح العرض بعد نزول الإنسان / النملة في فضاء الشاشات الى ارض المسرح الى منازلات وصراعات ثلاثة هي حاصل حياة الإنسان المعاصر وما يعانيه من استبداد ومصادرة فكان نزال ( الهامش – النملة – الإنسان ) الأول مع ذاته الإنسانية أو القرين في النمل والبشر ينتهي بانتصار (النملة / الإنسان / الهامش ) على أقرانه في محاولة لـ (الهامش) للعبور صوب فضاء المركز ، ويأتي الصراع الثاني ليقام مع ( الأسفل / الأرض / القاع)ويخرج من الهامش بقوام المركز/ السلطة ، ويمنح الصراع الثالث مع ( الأعلى / السماء / السلطة ) مستويات الاستقرار لكل تطلعات ( الهامش) والإطاحة والتقويض بكل صوره الحياتي، حيث تتبنى الرؤيا الإخراجية لـ ( زينة الشبيبي) طموح الـ( الهامش) في محاولاته النفاذ مع واقع الاضطهاد ، إلا انها تقع في النهاية على إشكالية ماهوية ، حيث توقف تطلعات الـ (الهامش) في النهاية وإظهار قوة السلطات ممثلة في الساق العسكراتية وملابس الكاكي وضربة البسطال العسكري لـ ( الهامش) / الممثل مصوبة كذلك نحو فضاء القاعة . 
وتأتي آليات السرد في سيناريو العرض بواسطة الجسد البشري فكان جسد الفنان ( حسين درويش) في استجابة مفاهيمية وتحولات الصراع الوجودي في مراتبه الثلاث، فكانت (أدواته) التعبيرية ذات مواءمة وسعة وماهية الصراعات ، ففي صراعه الأول يدخل الحلبة بجسد ملاكم له قوته في الحركة والاندفاع ما يؤشر اشتراط المادي والسلطوي وإفراغه في الجسد الإنساني ، ويكمن الصراع الثاني في المواجهات واركولوجية الأرض ويرسلها جسد الممثل ( حسين الدرويش) علامات مضافة في تقانة الجسد مناظرة وإشارات الأرضية عند النزول / الغطس/ الصراع حيث الكائنات المختلفة ، أما اللوحة الصراعية الثالثة فانها تدفع بـ( الهامش ) لمنازلة السلطات ( العليا) يستعد بها الجسد لمعركة هي الأكثر خطورة في مسار الذات الإنسانية فكان للجسد صراعه مع الفضاء بصيغة شاقولية إذ تنفذ الهجمات من منافذ ( علوية) تبدأ بترنح ( هامش) وسقوطه من بعد ذلك على الأرض مسحوقاً بظهور تلك السلطات المستترة في الشاشات الثلاث لتتوحد في فرم قوتها وفيها لا تجد سوى الواجهة العسكرية / الفاشية للسحق ، فكان ( البسطال) العسكري هو ما يحاصرنا في شاشاتنا الثلاث. 
وعلى مستويات البناء الجمالي فان العرض يتشاطر بين فن المسرح والسينما وبين الجسد الإنساني وتقانة (الداتا شو) وذلك ما يعلن موجهات خطاب عرض (هامش) اتجاه مقولات ما بعد الحداثة ونعني إن اعتماد تقنية الـ ( الداتاشو) هو إقصاء لأية تطلع تمثلي حملته عروض الحداثة في سعيها الى تمثيل الواقع عبر الوسيلة الجمالية ، ونجد في الـ (الداتاشو) ان أداءه ابعد عن التمثيل ، ليكون الجسد البشري لدى الممثل ( الدرويش) حاملا لأبعاد متقشفة في تمثيل الحالة والتزامها ، فجسده علامة عارضة / كاشفة ما يساندها، والتمثيل في مواءمة المألوفة بسلسلة ( مونتاجات فيزيو- بيكيو-سوسيولوجية) عند (مارازلو) فحلول (الآخر) في جسد الأنا / الممثل يحشد طاقاته التعبيرية للانفلات من الأحادية الأدائية بمكوث الأنا / الآخر في جغرافية وكيميائية الجسد، ويأتي خطاب العرض بخصوصية تجريبية في تذليله لهيمنة الماهية التعبيرية للمسرح ، بكونه اداءً حياً حين يتقدم الفعل التقني وتسجيله الشاشات الثلاث على جماليات الجسد ، فحاصل فيوضات الجسد بكل احتفائها وتمركزها في متحف العرض المسرحي ليس لها إن تقارن وتناظر الأداء الصوري للشاشات الثلاث التي تفعل أرجحة المتلقي في فضاءاتها المتنوعة واصطفاء محمولاتها الصورية المتلاحقة ، إضافة شتات المبثوثات الصورية العابرة للأنماط والأجناس في (سينما /اشهار/ فوتوغراف/انميشن/ أفلام تسجيلية/ أفلام علمية/أفلام الطبيعة والحيوان ).
والمتلقي في تفضيل وإغواء بصري لشاشة دون غيرها في حركة بصرية تنزع الى نظم أبعادها الفكرية والجمالية في ناظم استقبالي ما .
وتتقاسم خطاب العرض – وجهتان أدائيتان هما – الشاشات الثلاث – وأداء الجسد للمثل (حسين الدرويش) ليتم ضبط الجسد في آليات ومنظومة ( سبرنتيكية) بموجهات الشاشات وتحكم سلطتها إزاء الجسد بانفعالاته – وإيماءاته- واداءاته الحركية في دلالات تحيل الى سلطة مبثوثات الشاشات وهيمنتها على الجسد الإنساني بقوتها التقانية ليخلق / ينفلت – أي الجسد – الممسرح الى معالم اطلاقية / مطلقة رغم حضور التقانة ، وعند ( سارتر) ( كل تقنية تبعث الى ميتافيزيقيا ما ) . 
والعلاقة البينية القائمة بين الشاشات والجسد هي في أقصى مستوياتها الدلالية الهادفة الى إعلان ادوار للواقع التقني يتقدمها دور المراقبة ومن ثم المعاقبة التي يستقر في علامة (البسطال) العسكري .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram