قوبلت الجولة الأولى من الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل برعاية رئيس مجلس النواب نبيه بري، بالتحفظ من قبل أوساط سياسية وازنة، بسبب الحذر المفرط الذي ساد موقف الحزب المذهبي، في الحوار الذي جمع على طاولة لأول مرة منذ أعوام بين الفرقاء اللبنانيين الإسلاميين، فبينما وضع التيار كل أوراقه مكشوفة على المائدة، منفتحاً على حوار جدي ينهض بالبلد من واقعه البائس، فإن الحزب تمترس بالحذر، مُنغلقاً على مجموعة من الأفكار ومتمسكاً بمواقفه تجاه ملفات شائكة عالقة بين الطرفين، لعل أبرزها السلاح خارج إطار الشرعية، الذي منح الحزب القدرة على تسيير الدولة بالقوة وفق سياساته مُستكبراً على الآخرين، والمشاركة في الحرب السورية على أساس مذهبي، تنفيذاً لأوامر طهران التي يعترف زعيم الحزب حسن نصر الله، بتبعيته لوليها الفقيه وثورتها الإسلامية.
ثمة الكثير من الملفات الأخرى، لعل أبرزها ملف اختيار رئيس للجمهورية، وهو منصب شاغر منذ شهور، حيث يواصل الحزب دعمه المطلق للجنرال عون، بالضد من إرادة العديد من اللبنانيين، رغم أن التيار مستعد للتخلي عن دعمه لمنافس عون، والبحث عن شخصية توافقية، تنأى بوطن الأرز عن معركة كسر العظم والإرادة، التي يخوضها نصر الله بصفته سيد المقاومة، وكأن حزبه هو الوحيد الذي قاوم إسرائيل، مع أن الواقع أن قوى اليسار والقوميين هي من بادرت بالمقاومة، قبل أن يلغي الحزب دورها ويهمش تاريخها النضالي، لصالح صفحة مقاومة جديدة لا نرغب بوصفها بالطارئة احتراماً لمقاتليها وليس لقياداتها .
يعرف الحزب الذي اكتشف مؤخراً ومُتأخراً أنه مخترق للموساد الإسرائيلي على مستوى رفيع، وأن موقفه الممانع والمقاوم بات محل شك، بعد مشاركته طائفياً في الحربين السورية والعراقية، وانكشاف ارتهان إرادته بيد مرجعيته في طهران، إنه الأكثر احتياجاً للحوار مع تيار المستقبل، تحسباً لانفضاض الكثير من مؤيديه بسبب تعنته، وعدم أخذه بعين الاعتبار رغبتهم بالخروج من المأزق الراهن بأقل الخسائر، والتداعيات المحتملة للكثير من الملفات العالقة بين الفرقاء اللبنانيين، بينما يعول الشارع اللبناني على نتائج هذا الحوار الذي كانت الجولة الأولى منه شكلية، في ردم الهوة التي تزداد اتساعاً بين الحزب ومعارضيه، الذين يأخذون عليه تخليه عن إعلان بعبدا، وجره لبنان إلى مستنقع الحرب السورية المستعرة، تنفيذاً لرؤية طهران حول حلف المقاومة والممانعة، ما أسفر عن الفراغ في موقع الرئاسة، والاستعاضة عن هذا الاستحقاق الدستوري بتسمية تمام سلام رئيساً للحكومة، لتنفيس الضغط ومنع البلاد من الانزلاق إلى فراغ سياسي شامل لكل السلطات، كان سيقود لبنان إلى الهاوية.
يرى البعض أن المسائل السياسية الشائكة لن تُحل على مائدة الحوار هذه، بسبب تداخل الشأن المحلي بالتدخلات الإقليمية والدولية بالكثير منها، ويتوقعون أن تكون نتيجتها الوحيدة في حال نجاحها، هي تهدئة الشارعين السني والشيعي وتقطيع الوقت، لتنفيس الاحتقان وتخفيف انعكاسات ما يحصل في المنطقة على الداخل اللبناني، وحماية لبنان من تداعيات ما يجري في المنطقة، وإذا كان موضوع سلاح حزب الله ومشاركته في الحرب السورية، أساس الخلاف، فان المؤكد أن حله ليس بيد طرفي الحوار، لكن المأمول أن يكون بداية لمرحلة جديدة تتميز بخلق مساحات مشتركة، تمهد لحل الكثير من الأمور العالقة، وتذليل الكثير من الخلافات في وجهات النظر، ولنأمل خيراً.
لبنان.. حوار الحدّ الأدنى
[post-views]
نشر في: 29 ديسمبر, 2014: 09:01 م