الملاحظة التي سجلتها هيئة تحرير "المدى" في عدد أمس على شبكة الإعلام العراقي والمسؤولين عنها لا تمثّل في الواقع سوى نقطة في بحر من الملاحظات المتكررة والمتجددة، منّا ومن غيرنا، على عمل هذه المؤسسة.
في الأساس أُنشئت شبكة الإعلام لتكون واحدة من الهيئات المستقلة، بوصفها هيئة للدولة وللمجتمع، تخصيصاتها ورواتب العاملين فيها، وأولهم كبار المسؤولين عنها، من المال العام الذي هو مال الشعب كله بصرف النظر عن القومية والدين والمذهب والقبيلة ومنطقة السكن والاتجاه السياسي والفكري.. لم تُنشَأ كدائرة تابعة للحكومة أو سواها من مؤسسات الدولة، كما كانت عليها الحال في العهود السابقة.
على مدى السنين العشر الماضية لم تتصرف إدارات الشبكة ومجالس أمنائها في الغالب بما يتوافق مع المبادئ التي أنشئت الشبكة استناداً لها ومع أحكام القانون المنظم لعملها، فالأمران 65 و66 ألزماها بألا تكون "أداة تخدم المصالح السياسية أو غيرها من المصالح الخارجية غير الملائمة"، وبأن تكون "منبرا حرا يحترم حقوق الإنسان وحرياته ويعززها، وخاصة حقه في حرية التعبير وتتم فيه مناقشة وجهات النظر وتبادل المعلومات والآراء والنقد دون تدخل"، وبتبني "برنامج يعكس ويعزز قيم المجتمع العراقي المتنوعة، ويسهل وصـول الجمهـور الى معلومات حيوية يعتمد عليها وتمكّن المجتمع العراقي من المشاركة في عمليـة العولمـة المتسارعة التي تساهم في عرض صورة للمجتمع العراقي على العالم دون تحيّز". كما ألزماها بأن تكون مستقلة مالياً وإدارياً وتحريرياً لكي تتمكن من "ممارسـة العمـل بـدون الخضوع لتأثير أو سيطرة الحكومة أو لتأثير أي مصالح خارجية غير ملائمة"، و"أن تسعى في جميع الأوقات إلى أن تعكس بصورة معتدلة ومنصفة، التنوع الإقليمـي والثقـافي والسياسي للعراق ولشعب العراق".
خلال هذه السنين كانت الشبكة خاضعة بدرجة كبيرة لسلطة الحكومة وإرادتها، وبالذات لرؤساء الحكومة الذين لم يكتف آخرهم بتوجيه كلمة اسبوعية عبرها وإنما كانت تنظم له المقابلات التلفزيونية كل شهر أو أقل، وتتابع مؤسسات الشبكة نشاطاته بالتفاصيل المملة، بينما لم تمنح الزعماء السياسيين الآخرين، وبخاصة المختلفين مع رئيس الحكومة فرصاً مماثلة، بل بعضهم لم يمنح أي فرصة على الإطلاق، فضلاً عن حجبها الآراء المخالفة والمعارضة.
في كثير من الأحيان كانت الشبكة تعيد إنتاج ما كانت تفعله المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون وصحف الثورة والجمهورية والقادسية وسواها، من دعاية فاشلة لصالح رئيس السلطة التنفيذية، بأسلوب الأهازيج والهوسات والعبارات الفضفاضة والصور المبهرجة المخادعة. ولم تؤمّن الشبكة نقاشاً متوازناً بشأن القضايا الوطنية الرئيسة وبخاصة السياسية بما يسمح بعرض الآراء والمواقف المخالفة والمعارضة لمواقف وسياسات رئيس الحكومة، ولم تتخذ الموقف الحيادي المتوازن خلال فترات الانتخابات. والنتيجة ان البلاد سقطت أخيراً في وهدة خطر يهدد كيانها ومصيرها.
الشبكة قصرّت مثلاً في رصد المعاناة الكبرى لشعبنا من جراء الإرهاب بتقديم قصص إنسانية، وثائقية أو درامية، تجسّد الفظائع والفجائع والآلام التي يتحملها العراقيون... يبدو ان في الشبكة يسود فهم ساذج بان مكافحة الإرهاب تكون بالتهريج والاستعراضات الفجّة على طريقة "ها خوتي ها"!
والآن، مثلاً أيضاً، تقصّر الشبكة في عكس البطولات الجماعية والفردية في الحرب ضد داعش. وللمقارنة فان وسائل الإعلام الكردستانية تنجح في عرض بطولات البيشمركة في ميادين القتال، وتنجح وسائل الإعلام الإيرانية، على سبيل المثال أيضاً، في تعظيم الدور الإيراني وإعطاء الانطباع بانه حاسم في هزيمة داعش، فيما البرامج التي تقدمها الشبكة تعجز عن إقناع المتلقي ببطولات أفراد قواتنا المسلحة.
من أجل شبكة الإعلام والعاملين فيها، ومن أجل دورها الوطني المطلوب وحفظاً للمال العام المُنفق بسخاء على الشبكة، يتعيّن إجراء تغييرات هيكلية فيها لتكون عن حق شبكة إعلام للشعب العراقي وليست لأحد في السلطة التنفيذية أو للقائمين على الشبكة ومصالحهم الذاتية.
شبكة الإعلام.. التغيير مُستحق
[post-views]
نشر في: 29 ديسمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 2
ابو سدير
الاستاذ الفاضل عدنان ان شبكة الاعلام العراقي يوميا تؤكد على نهجها الذي يسوده المصلحة الشخصية والوفاءلشخص بعينه ولحد هذه اللحظة تبث اخبار صاحب الفخامة اولا باول حتى لو كان خبر صغير وتتجاوز الاخبار المهمة الاخرى حتى لو كانت تصب بمصلحة البلد لازال على نفس من
عماد
أحسنت أستاذ عدنان وأرجو أن لا تتوقف مؤسسة المدى على كتابة المقال فقط وعلى تحديد الأهداف في كيفيةأن تكون هذه الشبكة بل أن واجب السلطة الرابعة ومؤسسة المدى أن تذهب أبعد من ذلك وأن تقود حملة لتقويم المؤسسات المستقلة وإعادتها الى الشعب بعد أن صادرتها السلطة ا