حددت موسكو تاريخ الاجتماع الذي ستُدعى له أوسع شريحة من المعارضة السورية، وردت المعارضة بالإعلان عن التنسيق بين فصائل الداخل والخارج للتوصل إلى رؤية سياسية موحدة لحل الأزمة، وذلك بعد أن تدخلت القاهرة بقوة على خط البحث عن حلول، دون أن يتقاطع نشاطها مع المبادرة الروسية الرامية لفتح حوار بين النظام ومعارضيه، وربما يكون هذا النشاط مكملاً لمبادرة موسكو التي قوبلت بالرضا في دمشق، فبينما تستقبل العاصمة المصرية وفود المعارضات السورية، المستجيبة لدعوات الخارجية المصرية الساعية لوضع الأسس لاستراتيجية تفاوضية مشتركة، تقابل بها وفد النظام في موسكو، فإنها تراقب عن كثب تطورات مبادرة المبعوث الأممي ستيفان ديمستورا المعروفة "حلب أولاً"، والتي أعلن نائبه عن تكثيف الاتصالات لتطبيقها.
حاولت القاهرة سابقاً تقريب وجهات نظر المعارضات المختلفة، لكن الجديد في تحركها تأكيده على استعادة مصر لدورها الإقليمي المعروف، وخصوصاً في سوريا التي تظل على رأس سلم أولويات الاستراتيجية المصرية، "من يتذكر الوحدة الاندماجية بين البلدين؟"، وهي اليوم تقف أمام واقع تؤثر تداعياته على أوضاعها الداخلية، وتراقب عن كثب ميل العديد من القوى الدولية التي راهنت على إسقاط النظام بالقوة، إلى البحث عن حل سياسي في ظل ولادة "دولة الخلافة"، وسيطرتها على مساحات شاسعة من جغرافيا الدولة السورية وفي ظل الفشل المتتابع لكل خطوات الائتلاف الوطني، والموت السريري لفكرة الملاذ الآمن، والمناطق العازلة وحظر الطيران، التي لاتجد لها صدى اليوم إلاّ في أنقره، ومع ذلك فإن الإفراط في التفاؤل يأتي في غير محله، فالخلاف على من يمثل المعارضة ويقودها، ما زال محتدماً، كما أن الموقف من التسوية السياسية لم يتبلور بعد، إضافة إلى أن موقف أنقره والرياض من الدور المصري لازال غامضاً.
ليس معروفاً على ماذا اعتمدت القاهرة، وهي تعلن أن المعارضة تقبل الذهاب إلى موسكو للحوار مع النظام، وأن هناك تفاعلاً من قبلها مع الدعوة الروسية، وعن أي معارضة كان ذلك، غير أن ما يوضح هذا التفاؤل هو إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي، بأن بلاده مستعدة لأداء دور إيجابي وبنّاء من أجل التوصل إلى حل للأزمة السورية، منوهاً بالصدقية والقبول اللذين تتمتع بهما مصر لدى مختلف الأطراف الفاعلة على الساحة السورية، وإشارته إلى خطورة استمرار الأوضاع السورية الراهنة التي تهدد المنطقة ككل، غير أن تشرذم المعارضات كان واضحاً في إعلان رئيس الائتلاف السوري المعارض، عن بدء حوار مع أطراف اخرى في المعارضة، للتوصل الى رؤية مشتركة، وتحفظه على مسعى روسيا التي قال إنها لا تملك أي مبادرة واضحة ولا تملك أي ورقة محددة، غير أن الإيجابية الوحيدة تبدت بإعلانه أن كافة إطراف المعارضة السورية منفتحة على عملية حوار في ما بينها.
قد تنجح القاهرة، فينتقل الملف السوري إلى حضن الدب الروسي، ليأخذ على عاتقه أمر ترتيب بيت النظام السوري، وهذه مهمة ليست سهلة على الإطلاق، على الرغم من الوشائج الخاصة التي تجمع الحليفين، وهكذا سيجد السوريون أنفسهم أمام عملية قد تكون منسقة، بين القاهرة وموسكو، تتولى بموجبها الدبلوماسية المصرية أمر المعارضة السورية وتجميع صفوفها وتوحيد كلمتها، فيما تضطلع الدبلوماسية الروسية بأمر البحث مع النظام في ضرورة اللجوء إلى الحل السياسي للأزمة، وسط قناعة الجميع بتعذر الحل العسكري، وارتفاع كلف استمرار الوضع الراهن، والحاجة لاحتواء تداعيات ما يجري في بلاد الشام، قبل أن يتطاير الشرر ليشعل حرائق في المنطقة برمتها، بعد أن باتت حدودها مفتوحة على بعضها، وربما مناطق أبعد من دول الجوار.
القاهرة على خط الأزمة السورية
[post-views]
نشر في: 30 ديسمبر, 2014: 09:01 م