محمد خضير يطوي العام 2009 بساطه مسرعاً نحو نهايته، مخلفاً زوابع من اللهب والثلج، مريقاً كؤوساً من الدم والخمر. بعد إعلان جوائز نوبل، وانتهاء موسم الحج، وانعقاد قمة المناخ، وقرعة مونديال جنوب إفريقيا، وبناء السفينة الفضائية التجارية، واختيار بيروت عاصمة عالمية للكتاب، ومسابقة ملكة جمال العالم، تأتي النهايات بالأزمات المالية والفيضانات وأخبار الحرب في العراق وأفغانستان واليمن.
يأتي السؤال الأول في الاستطلاع من أخطر المواقع العالمية، بغداد مدينة السلام. والسؤال المشكل في مقدمة الاستطلاع يستفسر عن العلاقة المحتملة بين جرائم التفجيرات المتسلسلة حسب أيام الأسبوع وكونية التوحش الوبائي، الطبيعي والإرهابي، المطبق على بلدان العالم الثالث؟ يطرح استطلاع بغداد أسئلته ولا ينتظر الجواب عليها. متى كانت بغداد في مرمى الأجوبة؟ هي دائماً لغز النهايات، ومسرح الأضداد السياسية. قد يطرح الاستطلاع أسئلة شاعرية بمعيار (كتاب التساؤلات) لنيرودا، وقد تندلع أسئلته كشرارات النار في الحطب لو قويضت بلهجة "البيان الشيوعي". والأرجح أن استطلاع بغداد سيسأل بلهجة الرأي العام الذي يزج رأسماله في مزاد البيع والشراء على سياسات بلا نهايات. متى كانت لسياسة بغداد نهاية معلومة؟ وهل فُطِم معجمها عن رضاعة المفردات من قباب الأثداء السماوية؟ الأرض العربية التي تتكلم العربية الفصيحة، منحت بغداد أسبقية الإفصاح عن لسانها الخصيب وتفرعاته اللهجوية الدخيلة. اتسع معجم بغداد وفاق معجم جورج أورويل (نيو سبيك) المستقبلي طبقات، بما أدخله من سلالات اللغات السامية وما كسبه من مصطلحات الشبكات الرقمية. وعلى العكس من معجم (1984) الخيالي المختزل، فإن لهجات الإقليم العراقي نبعت من وقائع عالم حار، وتناسل يوتوبيات بائدة ونظم ديمقراطية معولمة. والسؤال الآن يتعلق بأنموذج المعجم التكاثري الجديد: ما الحجم الممكن استقصاؤه لمعجم بغداد المستقبلي؟ وما قراباته الدلالية بمعاجم نهاية العالم؟ كانت نشوة الكتاب والشعراء في المجتمع المعجمي القديم تزداد بالالتفاف حول معجم أقل حجماً من المعجم الحالي، فات واضعيه ومطوريه (أنستاس الكرملي ومهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي ومصطفى جواد وطه باقر وهادي العلوي) استطلاع الصفحات الرملية التي تكاثرت بعد رحيلهم. لن يُبعث مستطلع معجمي من مرقده ليجيب على أسئلة الانتخابات والدستور والمترو والمدن العشوائية وأمراض البيئة، أو ليحصي اصطلاحات الحروب غير التقليدية (حروب النفط والمياه والمناخ وكرة القدم)، فقد سبقهم الأجل إلى (خط الرمال) الوهمي الذي أدخله دونالد رامسفيلد إلى المعجم العراقي واحتل مكان الصدارة بين مدخولاته الرمزية. والسؤال المشكل هنا: هل تفوت كتّاب المرحلة الجديدة وشعراءها الإحاطة بمدخولات المعجم الرملي؟ وما الشأن الذي يفلت دائماً من قبضة المعجم واصطلاحاته؟ حين أذكّر مستطلعي النهايات غير المعلومة بمعجم الرمال، وحين أجدّد نسختي منه كل عام، فهذا لكي أجرّب لهجتي في استطلاع خصوصيّ يتفرغ لشؤون (القلب) ويتكلم بلسان الطين الملاصق للسان الرمل، وتفرعاته اللصيقة بسياسات (الرغيف). وعسى أن تنفع لهجتي الطينية والرملية في تطوير التساؤلات التي وضعتها في إحدى صحائفي الاستطلاعية: *((عشرات الأسماء لا تفي بتشخيص كائن مستور، فكم اسماً يقتضي حضور كائن منظور؟)) *((يعود المركّب إلى بسيطه، والنظير إلى نظيره، والخطّ إلى نقطته، فإلى أين يؤول ما لا اسم له، أإلى أمسه أم إلى غده، قديمه أم جديده؟)) *(( أيمكنك أن تجد للشيء شبيهًا من نفسه؟ ما حدود الشبه بين شبيهين؟ أيهما أسبق في الشبه: الأصل أم الشبيه؟ أيشبه البئر حفرة، والحفرة بئراً؟ هل تتساوى أربعة عقول مع أربعة براهين، وأربع حفر مع أربعة رموس؟)) *(( إذا كان الأربعة صنعوا أربعة أشياء، فمن ذا الذي ينقض صنع الأربعة؟)) *((هل يستغني فقير عن نعل لمسيره، أو ملاك عن خفّ الشمس؟)) *(( أيتلهى الرضيع بثدي مكور أم بنرد ممسوح الوجوه؟ من يملك العالم، معجم رملي أم ملك جبّار؟)) *(( أين مدينة أين، أيها المغادر مدينة متى؟ متى غادرت السفائن مدينة متى، أيها السائل عن كيف وماذا؟)) *(( زلزل وهارون وخفيف إخوتي، فلماذا رشقوني بإبرة حين رشقتهم بزهرة؟)) *((ماذا قال ديك الرياح للرياح؟ ونغمة الطنبور للطنبور؟)) *((من يدوّن لغة الحرية بلهجة القيود؟)) *(( أأجدى وضع السيف في موضع الندى، أم وضع الندى في موضع السيف؟)) *(( أيها الرجاء، ذكر أنت أم أنثى؟))
استطلاع آخر العام
نشر في: 14 ديسمبر, 2009: 04:42 م