لم يكن مُستهجناً رفض جماعة الإخوان المسلمين، لمطالبة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي علماء الأزهر، بإطلاق ثورة دينية فكرية تجديدية، وتحميلهم إماماً ودعاةً المسؤولية عن تجديد الخطاب الديني والدعوة بالحسنى، وتصحيح صورة الإسلام والتصدي للأفكار والمفاهيم الخاطئة، التي تشوه ثوابت الدين، فإسلام الإخوان بعيد عن كل هذا، وهو إقصائي يعتبر المسلمين أفضل من غيرهم، ويدعو هؤلاء لأن يكونوا تابعين أو دافعي جزية في أفضل الأحوال، ولذلك يستهجنون تأكيد السيسي أن سمعة المسلمين تأثرت بما يحدث من عنف، وقوله إنه لا يمكن لمليار وربع المليار مسلم التغلب على 6 مليارات إنسان يعيشون على هذا الكوكب، ولا مطالبته للمسلمين بالتحلي بأخلاق الرسول، وإعمال سنته والتعايش مع الآخر، ولا إشارته إلى أن الإرهاب لم ينتشر إلا في ظل تفرق الأمة، حتى علقت بها صورة أعمال العنف أمام العالم وأثرت في سمعتها.
إعلام الإخوان بقيادة فضائية الجزيرة القطرية، اجتزأ الخطاب مركزاً على دعوة الرئيس المصري إلى ثورة دينية، للتخلص من أفكار ونصوص تم تقديسها على مدى قرون، وباتت مصدر قلق للعالم كله، وقوله إنه ليس معقولا أن يدفع الفكر الذي نقدسه على مئات السنين، الأمة بكاملها للقلق والخطر والقتل والتدمير في أرجاء العالم كافة، ولم يستوعب هذا الإعلام المغرض والمغرق في الجهالة، أن يطالب قائد مسلم بإعادة قراءة هذه النصوص بفكر مستنير، وهو طبعاً لم يقصد القرآن والسنة النبوية، بقدر ما كان يشير إلى اجتهادات فقهاء عصور الظلام التي مر بها الإسلام، ما يقتضي للخروج من تأثيرات هذا الفكر السلبية ثورة دينية وتدقيقاً هو اليوم من مسؤولية العلماء، بينما يروج إعلام الإخوان أنه يغمز من مبدأ الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، ويصور المسلمين بأنهم دمويون يريدون أن يعيشوا فقط على حساب قتل الآخرين، طبعاً يقصدون بالجهاد عملياتهم الوضيعة ضد جيش مصر، ودموية وضلالة الدواعش وهم يعلنون باسم الإسلام أنهم يمارسون ذروة سنامه.
بالرغم من جعجعة الإخوان التي لن تجد صدىً، فإن دار الإفتاء المصرية تبنت دعوة السيسى لتجديد الخطاب الديني، وأصدر المفتي توجيهاته بتقديم مزيد من الخدمات الشرعية والإفتائية بصورة عصرية، تناسب الواقع المعاصر، ورصد فتاوى التكفير، ومواجهة هذه الأفكار المتطرفة والرد عليها بمنهجية علمية رصينة ومنضبطة، وأعلنت الدار أنها ستواكب التطور التكنولوجي الهائل، وتسعى لاستخدام كافة الوسائل للتواصل مع طالبي الفتوى والرأي الشرعي دون قيود، وأن الفترة القادمة ستشهد وضع الآليات الفَعالة والضوابط العلميّة لـمواجهة من يتصدرون للفتوى من غير الـمتخصصين، والذين تثير فتاواهم البلبلة، كما أن الاتحاد الدولي لشباب الأزهر والصوفية اعتبر دعوة السيسي نداءً يستحق الاستجابة والتفاعل من كل مؤسسات الدولة، لوضع منظومة حقيقية لتجديد الخطاب الديني، ومكافحة كل الأفكار المتطرفة التي ظهرت في الأعوام الماضية، وأن يكون هذا التجديد واعياً يحفظ قيم الإسلام، ويقضي على الاستقطاب الطائفي والمذهبي، ويعالج التطرف الذى هو عنوان الإرهاب الذي تعيشه اغلب بلدان العالم العربي، بعد موجات "ربيع الإخوان".
دعوة السيسي كانت تتقصد حديثه عن النصوص، كتب فقه من القرون الوسطى ابتعدت عن روح الإسلام، وفيها الكثير من الاحاديث الموضوعة والغلو، وبرز ذلك في مطالبته المصريين جميعاً، مسلمين وأقباطاً، بالحرص على محبة بعضهم بعضاً والعمل بإتقان وصدق وأمانة، ودعوته المسلمين إلى "نقد الذات"، وهي دعوة تستلهم روح العصر والإسلام في آن معا وتستحق الاحترام ولو كره الإخوان والدواعش والمغرضون والمتأسلمون.
السيسي مُجدّداً في الدين
[post-views]
نشر في: 3 يناير, 2015: 09:01 م