الحكومة نائمة، والأحزاب تلطم وتتصارع، وداعش تلتهم، والطوائف ينهش بعضها البعض، والعراقيون منقسمون سنة وشيعة، وشط العرب يضيع اسمه، ويتبدل الى "أرفند روز". وإذا حدثت (عارفا) قال لك: بأن إيران تسعى وتعيث في العراق ما شاء لها وما شاءت، وحمل أحقاده وضغائنه كلها وألقاها على إيران، لا يا عزيزي!!! من أضاعنا وحطّم احلامنا، وجعلنا سخرية لمن كان ومن لم يكن، ليس ايران، إنما حكّامنا، أولئك الذي أجهزوا على الشط العظيم، فهم، وبعد أكثر من عقد لم ينتشلوا نصف الغوارق التي فيه، ولم يسيروا في المجرى التاريخي حفارة واحدة تسحب الغرين والطمي، ولم يعيدوا الروح لميناء المعقل الأب، الذي قتلوه بالجسور العائمة. وهم وهم ..
بعد يومنا هذا، من سنتنا الجديدة هذه، علينا أن نغيّر من لفظنا ومفرداتنا في ما نكتب ونغني. لم تعد اغنية (على شط العرب تحلا اغانينا وعلى البصرة...) صالحة في المذياع، ولن تشفع لنا الخرائط العثمانية ولا خريطة الجيوش البريطانية لأن السيد غوغل صرح بان لا شيء هنا يمر بين الضفتين العربيتين اسمه شط العرب. هو (أرفند روز) يا ناس. الشط العربي يفقد صفته، لذا على أبويه ( دجلة والفرات) قطع رحمه، فالولد العراقي، العربي لم يكن لينتسب لأبويه ذات يوم بحسب الخرائط الجديدة. هو شط كان عراقيا، لكنْ أخذه أخواله، بعد ان تخلى عنه آباؤه وأعمامه. تخلى عنه مواطنوه الذين شربوا منه، وتفيأوا النخل الذي كان غابة على ضفتيه، وسقوا منه أبقارهم ونعاجهم ودجاجهم وخنازيرهم الوحشية حتى. تلك التي تمرح إلى الآن بين جولانه وقصباته وسعفه اليابس.
إيران تسرقنا، يقول حكيم لا حكمة ولا عفّة في صدره، إنما سمٌّ ينفثه هنا وهناك . لغاية في نفسه .لا يا اخي، إيران لم تسرقنا اسم نهرنا، ولم تكن لتقذف بمياه بزل أراضيها فيه، ولم تتجاوز على شباك وقوارب صيادينا، ولم تستبح بضائعُها اسواقنا لو كانت عندنا حكومة عراقية وطنية حقيقية. لكنها حين وجدت انهارنا تردم ونخيلنا يقطع وبساتيننا تتحول الى مجاري ثقيلة وخفيفة، وهم (الإيرانيين)يرون بأم أعينهم -عبر المدى الضيق بيننا- عشرات الجرّافات تُسقط أعز أشجارنا وتردم أجمل انهارنا صار الفضاء متاحا لهم، لكي يستفتوا السيد غوغل باسم نهرنا المعظم، ومن ثم ليغيروا اسمه، ألم يغيروا من قبل ملامحه، وهم الذين ضيقوه علينا في السيبة وسيحان والواصلية، وهم الذين جعلوا من مياهه ملحا زؤاما وهم الذين أحالوا أراضيه سبخة وبلقعا. لا أقول الإيرانيين لكني أقول: حكامنا بضعفهم وجبنهم .
لسان حال البصريين اليوم يقول : (لكنَّ حمزة لا بواكي له). نعم، شط العرب مات قبل أن يتغير اسمه من قبل السلطات الايرانية، وأهلها ما توا قبل أن تنتزع منهم غابة النخل التي كانت تحيط بهم منذ آلاف السنيين، فهم ومنذ صدام حسين كانوا ينوؤون بحمل جثة شطهم وأوزار أراضيهم وغرين انهارهم واجداث آبائهم وأضرحة أوليائهم. مات نهرهم منذ أن شقّت أولُّ جرّافة طريق التعاون، طريق مرور الجيش الى الفاو، الذي ابتدأت به عام 1983-1984 من قرية البراضعية عند مركز المدينة ولم يتوقف زئير سرفاتها إلا عند رأس البيشة، قاطعة بذلك اكثر من 120 كلم . ماحقة مئات الآلاف من اشجار نخيل البرحي والبريم والقنطار والسعمران والخضراوي ومعه الملايين من اشجار الفاكهة والخضار والاراضي الزراعية التي ظلت عصية على التصحر آلاف السنين. وكانت الآمال معقودة على حكمة من تنافس على الكرسي الأول في المحافظة ورهطه، من كبار سياسيي الصدفة والمصادفات الخائبة(أصحاب الغيرة والمخلصين) في عودتهم وصلاح اراضيهم وعمار نفوسهم، لكن شيئا من ذلك لم يتحقق. فذهبوا يتنافسون في ما بينهم على خمط نسب العقود وعلى حمل الحقائب مسافرين، مصطافين، متعالجين بأرقى مستشفيات إصلاح الصدور والبطون والانوف والحناجر، تاركين مساكين أبي الخصيب والفاو وشط العرب والصالحية والتنومة يستغيثون، يتوسلون المولى والعبد على صلاح امرهم في شطهم لكن أصواتهم، وعلى مدى عقد، خصفتها الريح نعالا وسارت بها .