ثمة شبح يجول في بغداد وخارجها.. يتنقل بين مكاتب ومساكن للبعض من كبار المتنفذين في الدولة.. انه يعمل لـ"لفلفة" قضية سقوط الموصل في أيدي داعش، أو بالأحرى تسليمها الى التنظيم الإرهابي، وإغلاق الملف بأقل الخسائر بالنسبة للمسؤولين عنه، على غرار ما حصل مع عشرات الملفات الخطيرة على مدى السنين العشر الماضية.
التوافق بين متقاسمي النفوذ والسلطة على الإغلاق المتبادل للملفات صار تقليداً في حياتنا السياسية، فالكل لديه ملفات بالوثائق والأدلة الدامغة على الكل، والكل يسعى إلى التسويات وعقد الصفقات من تحت الطاولة.. وفي كل الأحوال على حساب مصالح الشعب والوطن.
خذوا مثلاً ملف الفساد الإداري والمالي.. ما من أحد من أعضاء النخبة الحاكمة لم يقرّ ويعترف بوجود هذا الفساد في كل مرافق الدولة، وبأن المنهوب من المال العام قد بلغ مئات المليارات من الدولارات.. ولكن مَنْ قُدّم إلى القضاء ومَنْ أُدين؟.. صغار الموظفين، أما الكبار فظلّوا في منأى عن أي إجراء، ملفاتهم تُغلق مقابل ملفات بالفساد والإرهاب تُغلق هي الأخرى، ومَنْ حكم عليه القضاء من الوزراء والنواب جرى تهريبه إلى الخارج بترتيبات وتواطؤات مع رؤوس كبيرة في الحكومة، ليواصل أعماله وتجارته مع شركائه من هذه الرؤوس التي سعت إلى حرف الأنظار عن الفاسدين الحقيقيين بتلفيق اتهامات ضد شخصيات نزيهة مثل سنان الشبيبي ومظهر محمد صالح وزميلاتهم وزملائهم في البنك المركزي وسواهم.
ملف الموصل خطير للغاية، وسيكون إغلاقه، بأي صورة من الصور، جريمة كبرى وخيانة وطنية عظمى بحجم جريمة وخيانة سقوط الموصل، فهو ليس ملف أراض احتلها التنظيم الإرهابي وينتهي أمره بالقضاء على التنظيم أو طرده واستعادة هذه الأراضي.. ثمة الآلاف من الأرواح التي أُزهقت، والآلاف من المواطنين الذين أُسروا وسبيوا وانتُهكت كرامتهم وإنسانيتهم، وثمة الملايين ممّن أُرغموا على النزوح من مدنهم وقراهم وتركوا لمصيرهم في أصعب الظروف وسُرِقت تخصيصاتهم، فضلاً عن الدمار الهائل في الممتلكات العامة والخاصة.. هذا كله لا يتحمل المسؤولية عنه التنظيم الإرهابي وحده.. قبله يتحملها القادة العسكريون والسياسيون الذي هيأوا مباشرة أو مداورة الظروف لحدوث هذه الجريمة الكبرى والخيانة العظمى.
التحقيق في هذه القضية حقٌّ مستحق على مجلس النواب والحكومة.. حقٌّ ليس فقط للضحايا وعائلاتهم وللأسرى والسبايا والنازحين وحدهم.. انه حق للشعب كله ولقواته المسلحة التي تعرضت للخيانة.
لا ينبغي أبداً القبول بأقل من تحقيق شفاف وشامل ومساءلة علنية تحت قبة البرلمان، فمن حقنا أن نعرف ما الذي جرى بالضبط وكيف جرى الذي جرى ولماذا جرى ما جرى، ولابدّ من تحديد المسؤوليات، ولا يتعيّن أن نقبل باستغفالنا بالتوافقات المعتادة بين أصحاب السلطة والنفوذ الجارية وراء الكواليس وتحت الطاولات.
اذا ما تساهلنا في قضية الموصل لن تكون لنا حياة ولن يكون لنا مستقبل.. أصحاب السلطة والنفوذ هؤلاء سينتهكون كرامتنا وإنسانيتنا ويسيبونا إلى الأبد، مثلما فعل داعش، فحذارِ ثم حذارِ ثم حذارِ من "لفلفة" قضية الموصل المتجول شبحها والجاري التحضير لها في بغداد وخارجها.
شبح "اللفلفة"
[post-views]
نشر في: 3 يناير, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 4
Khalid
لقد أسمعت لو ناجيت حياَ ولكن لا (حياء) لمن تنادي
عائد الجواهري
احسنت النشر ياسيدي واصبت الهدف المنشود والا لماذا اليوم يصرحون بان التحقيق صعب لوجود المالكي والقاده الامنيون الكبار انهم يعرفون انفسهم جيدا وستسجل ضد مجهول
Khalid
لقد أسمعت لو ناجيت حياَ ولكن لا (حياء) لمن تنادي
عائد الجواهري
احسنت النشر ياسيدي واصبت الهدف المنشود والا لماذا اليوم يصرحون بان التحقيق صعب لوجود المالكي والقاده الامنيون الكبار انهم يعرفون انفسهم جيدا وستسجل ضد مجهول