السمك في الذاكرة الشعبية العراقية له حضور كبير ومعاني كثيرة ، فهو مأكول ومذموم ، والذم يأتي من جعل متناوله يضطر الى شرب كميات كبيرة من الماء ، ولتفادي المشكلة يتوجه لتناول التمر او الدبس ، ويفضل العراقيون اكل السمك في يوم الاربعاء من كل اسبوع ، لانه باعتقادهم يجلب الرزق ، واستخدم اصحاب المطاعم في المناطق التجارية هذا الاعتقاد ، فجعلوا أكلة يوم الاربعاء في المطاعم المنتشرة بسوق الشورجة وغيرها السمك المشوي او المطبك على التمن العنبر بالدهن الحر مع اضافة اللوز والكشمش ، ومن يأكل السمك او يصيده في الحلم يعني انه بانتظار خبر سعيد ابواب الرزق ستفتح امامه .
عشاق السمك يتذمرون احيانا من رائحته وللتخلص من " الرائحة الزفرة " توصلوا الى استخدام عصير الليمون لمسح اليدين والفم ، ثم تناول الشاي "السنكين" من النوع الثقيل ويفضل ان يكون إعداده بقوري فرفوري على الجمر ، لاستكمال السعادة العراقية والشعور بالانتشاء والاسترخاء مع تدخين سيجارة سومر ذات السن الطويل .
سكان الاهوار قبل تعرضها للتجفيف لاغراض تتعلق بالحفاظ على الامن القومي كانوا يجففون السمك ، ومنه يعدون طبخة تدعى "المسموطة " باضافة التوابل والكركم والفلفل الحار ، واي شخص يتناولها للمرة الاولى "ينسمط" جده السابع عشر ، ويندب حظه التعس لوقوعه في ورطة اكل طبخة خالية من اية مادة غذائية ، لكنها تحتفظ بقيمتها التاريخية بوصفها وردت في الرقم الطينية السومرية ، وليس من المستبعد ان يكون الملك كلكامش وبعد دخوله الى الحانة طلب المزة المفضلة في ذلك الزمن المسموطةمع قنينة خمر مصنوع من التمر الزهدي يطرح الثيران والجواميس .
من الاقوال الشائعة "لا تاكل السمك وتشرب اللبن " يطلق للحذير من الاصابة بمرض جلدي ، فحين يتناول الشخص السمك من نوع الشبوط المشوي وبعده يشرب اللبن سيكون معرضا للاصابة في حال انتابته موجة غضب على اعلى مستويات درجات العصبية العراقية ، ولذلك اصبح القول الشائع نصيحة تنتقل من جيل الى آخر لاتقاء خطر وشر "الشبوط" .
انواع السمك كثيرة منها الشبوط والكطان والبني والشلك بالكاف الاعجمية، انتقلت اسماؤها الى بني البشر ربما اعتزازا بدورها في معالجة امراض الغدة الدرقية لدى النساء واستخدام جلدها في ايقاعات فرق الخشابة البصراوية ، وسجلت دوائر النفوس في المحافظات الجنوبية قبل عشرات السنين مواليد جديدة باسماء شبوط وبني، ومن هؤلاء "شبوط غركان" الساكن حاليا في حي شعبي بجانب الكرخ ، رفض نصائح ابنائه بتغيير اعتزازا بقول ابيه المرحوم غركان الذي اطلق اسم شبوط على ابنه البكر ليؤكد حقيقة انه كان قادرا على عبور النهر سباحة الى الضفة الاخرى ، وعرف عن غركان ايضا انه كان يمتلك قدرة على شم رائحة زفر البني والكطان والشبوط والزوري عن بعد.
حكاية المرحوم غركان
[post-views]
نشر في: 4 يناير, 2015: 09:01 م