تدلنا أقوال الفلاسفة والحكماء والسياسيين أحيانا الى مداخل هامة في ما نكتب ونتوجه، ولعل تعجب أحدهم حين مرَّ على قبر أحد الزعماء، وقرأ على شاهدته عبارة (هنا يرقد السياسيُّ المحنك والحاكمُ الصادقُ) بقوله : عجبت كيف يدفن الاثنان معاً، يقصد السياسة والصدق! نستحضر هذه ونحن نسمع محافظ البصرة يتوعد بالضرب بيد من حديد على العصابات التي تستهدف امن المواطن واهل السنة والأقليات بخاصة، وكان موقع خاص بالمحافظ أعلن بعد الحادثة بيوم أو يومين بان التحقيقات الأولية في قضية مقتل المشايخ الأربعة في الزبير قد اكتشفت الخيوط التي ستدل على مصدر الفاعلين القتلة. سنتفاءل إذن، ونبعد عن أذهاننا فكرة القاتل الفضائي !
ولأننا، -أبناء البصرة، المدينة التي ابتليت بالقتل العمد المجهول، والتفنن به، والتوقيت المناسب وغير المناسب، والمكان المناسب وغير المناسب ايضاً- شهود على عشرات المقاتل هذه منذ العام 2003 حتى اليوم سنقرأ بيان حكومة البصرة بموجب الحكمة تلك ونكتفي بالقول: السياسة والصدق لا يجتمعان في الحاكم. ففي ذلك سلامة لعقولنا.
ولكي لا نظلم رجال الحكم عندنا في البصرة نقول: بان البلاد كلها تخضع للمعيار هذا. ولأننا بصدد الصدق أورد حكاية وقعت لي أيام كنت اقدم برنامجا حواريا في محطة راديو، قبل العام 2008 وقد التقيت قائد الشرطة آنذاك، وكانت حوادث القتل ضد اهل السنة والمسيحيين والصابئة قد استشرت. كان سؤال قد ورد ضمن الأسئلة الكثيرة: ترى من هو القاتل المجهول هذا ؟ فظل يتلفت يمينا وشمالاً، مرتبكا، محرجاً، يبحث عن جواب مقنع لي. وفي دوامة حرجه جاءه المنقذ من الصدق، بإشارة من ضابط كبير، كان يجلس معنا في مكتب القائد. كانت الاشارة أنْ لا جواب للسؤال هذا. وهنا صمتُّ وخرجت مكتفيا بما في صوته من غرغرة وحشرجة. إذ لم تكن مفردة فضائيين قد ولدت بعد .
قضيتان خطيرتان تسببتا في ما يحدث للعراقيين من ويلات، الاولى عدم الكفاءة والثانية الكذب. وهنا نجد توأمة وملازمة عدم الكفاءة مع الكذب امرا طبيعياً، ذلك لأن الضعيف يقول ساعة هزيمته بانه كاد ان يطيح بخصمه، لولا انه وجد ذلك مستعصياً. وبتنا على يقين بأن الفاشل والكاذب يمثلان حياتنا، وهكذا اوقعنا حكامنا في ما نحن عليه. إذ من غير المعقول تسجيل مئات حوادث القتل التي وقعت وتقع في العراق ضد فضائيين ومجهولين؟ ومن غير المعقول أيضا بقاء المجهولين هؤلاء فضائيين الى الأبد. ومن حيث الأداء والسلوك هذين فقد انعكس الواقع على أداء الاجهزة الأمنية، لأنها وجدت نفسها غير ملزمة أو مطالبة بالكشف والتحري والتوسع في التحقيق، طالما أن السلطات العليا تعلم أو لا تعلم، وتكذب . ولو أجرينا مسحاً وثائقيا على مئات اللجان الأمنية التي تشكلت وظلت تتشكل الى اليوم لعثرنا على ملفات لا تشير الى شيء، ملفات فضائية ايضاً.
بقاء جملة المجاهيل في حياتنا وراء استمرار المقاتل لأهلنا جميعاً، وما يحدث في البصرة لأهل السنة لا يختلف عن ما يحدث لأي مكون في أي مكان. قد تكون القاعدة وراء مقتل المشايخ الاربعة، بحسب ما تيسر من اخبار، وقد يكون غيرهم. والحال في بغداد وديالى والرمادي وبقية المدن العراقية لا يختلف عن ما يحدث في البصرة، التي تشير تقارير أخيرة فيها الى تعرض ابناء الطائفة المندائية الى التهديد بالقتل ومطالبتهم بالهجرة والرحيل. مسلسل لا يتوقف ، فلا يظننَّ أحدٌ انه بمنجى من ذلك، حتى وإن كان من الطائفة الأكبر، لأنها ستنشطر، وهي منشطرة طوليا أساساً، كما يعلم الجميع، وستخرج من بينها طائفة من الناس بينهم من يهدد بالهجرة وينفي ويقتل. هذا إذا ظلت سجلات القتل تسجل ضد مجهولين.
مقتولون شيوخ وقتلة فضائيون
[post-views]
نشر في: 6 يناير, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...