سعد محمد رحيم يعج عالمنا المعاصر بمئات المشاكل التي تبدو وكأن لا حلول لها في المدى المنظور، لكنه ينشغل اليوم أكثر من أي وقت مضى بأمر المناخ، ولحسن الحظ أن هذه المشكلة ليست محلية محضة، خاصة بإقليم دون آخر، فهي بطبيعتها معولمة، أي أنها مشكلة عالمية بالمقاييس كلها مساوئها تطول الجميع،
وحلّها يتطلب تضافر جهود خلاّقة لدول العالم كافة، ولاسيما المتقدمة منها، والتي هي المسؤولة، أساساً، عن التسبب بهذه المشكلة وتفاقمها بعد إفراطها في تدمير البيئات الحيوية واستغلال مواردها بشكل لا عقلاني أفضى إلى هذا الوضع الكارثي، كما لو أن الطبيعة تنتقم لنفسها من خلال ارتفاع درجات الحرارة، وزحف التصحر، والشح في المياه الصالحة للاستهلاك البشري، وذوبان جليد القطب المنجمد، فضلاً عن الأعاصير والفيضانات المهلكة التي زادت احتمالات حصولها الآن، واشتدت عتواً. وصارت تهدد مناطق واسعة من الكرة الأرضية، وتؤدي إلى تشريد السكان وقتلهم، وخراب العمران. لم تكن مشكلة المناخ جزءاً من هموم البشر قبل قرن من الزمان. وحتى قبل نصف قرن لم تكن بهذه الحدّة. لكن ثمة علماء ومختصين في شؤون البيئة حذروا مبكراً من أن التوسع في الإنتاج الصناعي وزيادة عدد السيارات والاستخدام الواسع لمصادر الطاقة الأحفورية سيزيد من نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الجو ليختل معه توازن الطبيعة، جاعلاً حياة الإنسان غير آمنة، ومستقبله في مهب الريح. مناسبة هذا الكلام هي قمة المناخ التي انعقدت مؤخراً في كوبنهاكن تحت شعار (إنقاذ الأرض)، وحظيت باهتمام وسائل الإعلام ومنظمات الدفاع عن البيئة في كل مكان. والتفاؤل الذي ساد بعد إصرار الدول الصناعية الكبرى (مثلما بدأت تدّعي) على إيجاد وسائل فعالة توقف التلوث وتحسّن المناخ وتبقي الأرض مكاناً صالحاً لسكنى البشر. من قال اننا لسنا معنيين بهذا، وان لنا من المشكلات العويصة ما تجعل التفاتنا إلى مشكلة المناخ نوعاً من الترف أو البطر؟! يكفي أن نفكر بظاهرة انحسار مياه أنهارنا العظيمة وأهوارنا الغنّاء.. بارتفاع درجات الحرارة وقلة الأمطار.. بعدم صفاء سماء مدننا المزدحمة بالمركبات والزيادة غير المسبوقة لأيام الغبار. بتراجع إنتاجنا الزراعي وتقلص المساحات الخضر في مدننا وأريافنا. وبمخلفات الحروب من يورانيوم منضب وغيرها، يكفي أن نفكر بهذه الظواهر كي نقول أن المشكلة هي مشكلتنا كذلك، هل يعفينا استغراقنا في مشكلات الأمن، والانتخابات والصراع على السلطة والمناطق المتنازع عليها، والبطالة والفساد، من مسؤولية ما تتعرض له بيئتنا الحيوية من دمار؟ صحيح أننا نمتلك وزارة للبيئة، وأن ثمة منظمات مجتمع مدني عراقية تنبهنا إلى خطورة المشكلة، وتحاول المساهمة في التقليل من امتداداتها المضرّة. لكننا بحاجة إلى عمل أكبر وأجدى.. بحاجة إلى أن تكون للدولة العراقية إستراتيجية عملية بهذا الخصوص، وأن يكون العمل من أجل بيئة عراقية أفضل من أولويات برامج الحكومة والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني لأن هذا أصبح واجباً وطنياً ملحّاً. فبقدر ما نحتاج إلى الطعام والأمان والتعليم والصحة وفرص العمل، نحتاج إلى الهواء النقي، والمياه الصالحة للشرب والزراعة، والسماء الصافية، والأرض الخضراء الزاهرة التي تريح أعصابنا بعد أن أتلفتها الحروب والصراعات التي لا طائل من ورائها، والمخاوف التي تسكننا لألف سبب.
نحن ومشكلة المناخ
نشر في: 14 ديسمبر, 2009: 05:26 م