ما هو حجم الأخطاء الفادحة التي وقعت اثناء "تحرير" مدننا من داعش، وهل بلغ الامر درجة جعلت مرجعية النجف كما رأينا، تضطر ١٠ مرات لتأكيد فتاوى بحرمة استباحة املاك الاهالي او اخذها كغنائم؟ الذين ارتكبوا تلك الاعمال المدانة، هل يدركون نوع الخدمة التي قدموها لداعش؟
ايضا، ما هو حجم الفساد في المؤسسة العسكرية وهل بلغ حدا يصعب تصوره، الى درجة ان رئيس الحكومة ووزير دفاعه، قالا ان الخلاص من فساد العسكر هو النقطة الاساسية في اصلاح الملف الامني؟ انه تقييم حكومي بمثابة "الفتوى الاختصاصية" جاء بعد ٦ شهور من عمل عراقيين واميركان، في لجان تقييم تحاول فهم اسرار ما حصل في الموصل. ولم يعد مهما لدى هؤلاء اسماء الضباط او ادانة هذا وذاك ولا سيناريوهات المؤامرة، لان لجان التقييم تعيش صدمة من هول ارقام فساد العسكر، وهو امر مرعب يمكنه ان يفسر فشلنا الامني لسنوات وتلك السهولة التي سقطت بها الموصل، بل وسهولة سقوط بغداد لولا التضحيات الهائلة.
اننا شعب لا يعلم شيئا، مهما تصورنا اننا نعلم! وحين اطرح سؤال الفساد على مسؤولين، اجدهم يضحكون بهستيريا، حزنا وتعبيرا عن هول المفاجأة. فبينما كان جنود وضباط مخلصون يضحون بأرواحهم، كان هناك ضباط محصنون يغرفون المليارات مستفيدين من الفوضى.
هذا بشأن ما قالته الحكومة. اما ما تقوله المرجعية بشأن تحريم "سرقة الممتلكات" في المناطق التي حررناها من داعش، فهو ادهى. وهو لا يتعلق باخطاء يرتكبها متطوعون شيعة ضد أهالي سنة، بل يتصل بمشكلة في نظامنا الأخلاقي الاجتماعي، وله صلة بكل الطوائف. فكما يوجد متشدد سني يعتقد ان من حقه سلب ارواح الناس وتفخيخهم، توجد قواعد لعبة وضيعة قد لا نعرفها، تبيح لاخرين ان يسلبوا ممتلكات الناس، باسم الغنيمة، وارواحهم، وتأتي اجواء الحرب لتغذي هذه القناعة الكارثية، الى درجة ان المرجعية تضطر لاصدار فتوى، كي توضح ان ممتلكات الناس في مناطق الحرب، ليست غنائم!
ان المشكلة اكبر من "مؤامرة وهابية" و"مخطط بايدن" و"مشروع صفوي". ان كل تحديات الخارج تستغل كارثة اخلاقية تتفشى في الداخل بين الجميع.
لم يعد يكفي ان نقول اننا صالحون ويعيش بيننا بعض "المنحرفين" الذين سنقضي عليهم ونقلص خطرهم! لنعترف ان في مجتمعنا ظواهر كارثية لا مجرد حالات فردية. وهذه الثغرات الاخلاقية انتجت عددا كبيرا من العراقيين مستعدين لقتل ابناء جلدتهم بالتفخيخ، او سلب ممتلكاتهم وارواحهم حتى اثناء حرب مشروعة مع داعش، وانتجت ضباطا يسرقون حقوق جنودهم الاحياء والموتى. ولا ننسى ان عوامل مشابهة انتجت مسؤولين كبارا لا غيرة لديهم على المال العام. وحين يتاح لنا كما اتيح للجان التحقيق، ان نتصور الحجم الفعلي لهذه الشريحة الكبيرة "المنحرفة" وعدد ونوع من يمكن ان ينخرط كل يوم في الخطايا، سنفهم اننا مفككون، واننا قد ننتصر على داعش بتضحية المخلصين، لكننا سرعان ما سنجد انفسنا امام الف خطر رهيب يتهددنا وقد يقضي علينا في المرة المقبلة، لاننا مفككون اخلاقياً، ومن ينحرف يمينا يمكنه ان ينحرف يساراً في اي لحظة.
الامر لن تعالجه فتوى ولا ادانة ولا وعود، رغم اهمية كل هذا. ان حجم الكارثة الاخلاقية يتطلب اعترافات كبيرة باننا متورطون، وان ترميم قواعدنا الاخلاقية هو الشرط الحاسم للخروج من الانهيار الاسود.
والقواعد الاخلاقية التي اتحدث عنها لا صلة لها بمفهوم وعظ او مثال افلاطوني، بل اقصد اخلاق المجتمعات الحديثة القائمة على حسابات الربح والخسارة العامة، وفهم القانون العادل والصارم، كطريقة وحيدة للخروج من الغابة المتوحشة التي نحن فيها، نحو مجتمع يتقبل التنوع والتسامح وينخرط مع البلدان المتقدمة بلا شكوك، ويعتنق طريقة الحكم الحديثة وطريقة الحياة الاقل كلفة وخطرا. والا فان داعش هي ابسط مشكلة ستواجه اولادنا خلال المائة عام المقبلة.
معنى فتاوى النجف وبغداد
[post-views]
نشر في: 7 يناير, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 2
ابو عبد الله الزاهد
استاذي الكريم عندما كنت مقدما لبرنامج بالعراقي هل رأيت مدى حجم التخبط وعدم فهم للموقع الذي يشغله الضيف المسؤول . فكيف تم اختياره ومن المذنب ي ذلك. هل هو الشعب الذي لا يعرف ماذا يريد ومن يختار ام عبث الاقدار .
ابو عبد الله الزاهد
استاذي الكريم عندما كنت مقدما لبرنامج بالعراقي هل رأيت مدى حجم التخبط وعدم فهم للموقع الذي يشغله الضيف المسؤول . فكيف تم اختياره ومن المذنب ي ذلك. هل هو الشعب الذي لا يعرف ماذا يريد ومن يختار ام عبث الاقدار .