TOP

جريدة المدى > عام > التعليم العالي في العراق إلى أين؟ حين يُغتال الحُلم!! (7)

التعليم العالي في العراق إلى أين؟ حين يُغتال الحُلم!! (7)

نشر في: 11 يناير, 2015: 09:01 م

جاء أول مقال، ضمن مقالاتنا عن التعليم العالي، وقد ظهر أيام مداولات تشكيل الوزارة الجديدة، تحت عنوان "هل يعود ألق الجامعة والثقافة في العراق؟ أنا عندي حلم". ومع أن أملي في أن يتحقق ذلك الحلم كان ضعيفاً، فإنه، على أية حال، كان موجوداً في ظل التغيير الذ

جاء أول مقال، ضمن مقالاتنا عن التعليم العالي، وقد ظهر أيام مداولات تشكيل الوزارة الجديدة، تحت عنوان "هل يعود ألق الجامعة والثقافة في العراق؟ أنا عندي حلم". ومع أن أملي في أن يتحقق ذلك الحلم كان ضعيفاً، فإنه، على أية حال، كان موجوداً في ظل التغيير الذي كان على وشك أن يتحقق في قيادة الدولة، فقويَ عندي فعلاً حين تحقق التغيير في الدولة، وفي ضوئه جاء إلى وزارة التعليم العالي مَن عوّلنا عليه تداركَ انهيار هذا التعليم، نعني الوزير الجديد الدكتور حسين الشهرستاني.

 

ومن هذا المنطلق ومن منطلق أننا يجب أن نتكلم، تواصلتْ المقالات، بعد ذلك، يملأُ صاحبَها أملٌ ضعيف في تحقيق الحلم، وكانت تتلقّى التعليقات المختلفة ولكن شبه المُجمعة على أنْ ليس من أمل، لأنه ليس هناك مَن يسمع، أو، على حد تعبير البعض، "لا حياة لمن تنادي". وأقول الحق بقيَ أملي، على ضعفه، حيّاً حتى الأيام القليلة الأخيرة حين أخذ يتلاشى ويتأكد لي أنْ لا أمل فعلاً، وكان ذلك تحديداً حين واصلت جامعة بغداد، وربما جامعات أخرى، سلوكياتها وتعليماتها غير الواعية وغير المنضبطة بالسياقات الأكاديمية التي من أهمها الاستقرار والانضباط العلمي ومركزية الأستاذ الذي هو أول من يجب أن يؤخذ في الحسبان فيها، وتعلّقاً بالطالب عدم تغيير النظم التي تكون مطبّقة حين قبوله طيلة فترة أو سني دراسته. ومن أواخر هذه السلوكيات والتعليمات غير المنضبطة بالسياقات الأكاديمية:
- ما يخص نظم امتحانات الطلبة وانفلاتها وانفتاحها على سلسلة الأدوار غير المنتهية.
- وطرق القبول في الدراسات العليا المتذبذبة وغير المستقرة، وغير المناسبة لمتطلبات التعليم الجامعي والنظم الأكاديمية.
- والتشديدات ذات النَّفَس الأمني والسلطوي البغيض على مشاركات الأساتذة بالمؤتمرات العلمية العربية والدولية، وهو ما كان موضوع هذا المقال، بوصفه حلقة ضمن سلسلة مقالاتنا عن واقع التعليم العالي في العراق، قبل تأجيله إلى مقال تالٍ.
- وتجاوز القانون والنظم والتعليمات الخاصة بالتمديد لطلبة الماجستير، فبعد تعذيبهم أسابيع طويلة، يأتي إرباكهم برفض رئاسة جامعة بغداد لطلباتهم بالتمديد القانوني مدة ستة أشهر الذي هو أصلاً من صلاحيات عمادات الكليات، والمعتمدة على مَن هم الأعرف بمدى حاجة هؤلاء الطلبة إليها، نعني المشرفين والأقسام العلمية المعنية. وهي ردود جاءت مخالفة للنظم والتعليمات وغير مسبّبة وارتجالية ومزاجية حين وافقت على التمديد لطلبة الماجستير مدة ثلاثة أشهر، وهي فوق ذلك تأتي متأخرة إلى ما قبل انتهاء هذا التمديد ذاته بأسبوع أو نحوه، وهو ما يعني عندنا تعمّد إرباك الطلبة وإلحاق الأذى بهم وبالعملية التعليمية والبحثية، وهو ما نستغرب أنْ لا يدفع الطلبة المعنيين إلى أن يُقيموا الدنيا ولا يُقعدوها دفاعاً عن حقوقهم المتجاوَز عليها، وأن لا تفعل الأقسام العلمية شيئاً لإيقاف التجاوز غير الأكاديمي عليهم، وأنْ لا يرفع الأساتذة أصواتهم، وهم يرون التجاوز على أولادهم الطلبة الباحثين الشُّبّان بأساليب غير عصرية وغير أكاديمية، خصوصاً أن الأساتذة المشرفين حين يؤيّدون طلبات التمديد وتوافق أقسامهم العلمية عليها، فإنهم يسببون ذلك أكاديمياً، بينما تأتي ردود الجامعة مزاجية ومغادرة مغادرة صريحة للأكاديمية.
- ومن السلوكيات والتعليمات غير العلمية وغير الأكاديمية أيضاً توسيع متطلبات الموافقة الأمنية المشينة على المشاركات في المؤتمرات العلمية لتتجاوز حتى ما كان موجوداً في ظل النظام السابق، مما نعتقد أن بعض منظمات حقوق الإنسان والمنظمات التربوية والأكاديمية والثقافية الدولية الأخرى ستحتج أو تعترض أو، على الأقل، تشير إليها حين تطّلع عليها، لاسيما تلك التي تتعاون مع العراق وتدعم التعليم العلمي فيه مثل معهد التربية الدولي، واليونسكو، وتلك التي تجري تقييماتها الجامعية وفق المعايير الأكاديمية.
وبالعودة إلى الحلم المُغتال والأمل المتلاشي في التغيير في واقع التعليم العالي، يجب أن نعترف بأن فرقاً رئيساً قد تحقق حالياً بلا شك في تعامل جُل قيادات التعليم العالي، وزارةً ورئاساتِ جامعاتٍ وعماداتٍ، عن تعامل قيادات الوزارة السابقة، وهو أن قيادات الوزارة الإدارية والأكاديمية السابقة كانت تتبنى، وبشكل صريح أو ضمني وعلى طول الخط، مواقف سلبية تجاه الأستاذ الجامعي، كما تمثّل ذلك في جل قراراتها بدءاً بإلغاء بعض مكتسبات قانون الخدمة الجامعية، ومروراً بتجميد كل محاولات تحسين الأوضاع المالية للأستاذ العراقي التي عجزت أو كادت تعجز عن تخطي أوضاع الأستاذ الأردني والخليجي مثلاً، وانتهاءً بتعرية الجامعات من أغطيتها العلمية الأهمّ المتمثلة بأساتذتها حين أحالت نخبتهم من كبار الأساتذة على التقاعد. أما قيادات الوزارة الحالية فإنها، على ما يبدو، لم ترضَ بهذا، فوسّعت مواقفها السلبية تلك لتشمل الأستاذ وطالب الدراسات العليا معاً، وربما لو كانت قادرة على أن تشمل طالب الدراسات الأولية لفعلت، ولكنها بالتأكيد غير قادرة، لأن طالب الدراسات الأولية يستطيع أن يحصل على أي شيء عبر تهييج الأحزاب والكتل السياسية والطائفية والمناطقية والبرلمان والحكومة، وهذا تماماً ما كان وراء تحقيق أي مطلب يطالب به الطلاب خلال السنوات الأخيرة، وكما هو متحقق تماماً في تعدد أدوار الامتحانات التي ما عادت تعرف حدوداً تتوقف عندها ولا مرحلة دراسية ولا زمناً غير ملائم لها.
بقي شيء يثار هنا، ويتعلق بقرارات رئاسة جامعة بغداد بشأن طلبة الدراسات العليا، ونريد في نهاية مقالنا أن نثير بدورنا تساؤلاً بشأنه. ذلك هو أن رئاسة جامعة بغداد، وهي تصدر آخر قراراتها بعدم الموافقة على طلبات طلبة الماجستير بالتمديد القانوني مدة ستة أشهر، ومنحها، بدلاً من ذلك، الموافقة، غير المتوائمة مع التعليمات والمتجاوزة لصلاحيات الكليات والأقسام العلمية، على التمديد مدة ثلاثة أشهر، كانت تعرف بلا شك بأن قراراتها تلك، كونها غير أكاديمية وتؤذي طالب الدراسات العليا وتُضرّ بعمله البحثي، ستُلغى برضاها أو بعدم رضاها، خصوصاً وهي تأتي متأخرة كثيراً بحيث أن الكثير من الأساتذة المشرفين وطلبتهم لن يستطيعوا حتى (شربتة) رسائل الماجستير المعنية وإنهاءها كيفما كان، كما من الواضح أن الجامعة تريد. فلماذا، إذن، اتخذت الجامعة هذه القرارات، ولماذا عمدتْ إلى إرباك أبنائنا الباحثين الشبان؟ ثم، وهذا هو الأهم، هنا، من سيتحمل التبعات السلبية لهذه القرارات، المادية منها والعلمية والوظيفية المترتبة عليها، ومنها:
- أولاً، الارتباك الذي أصاب طلبة البحث وما سيقود إليه من تأخر إنجازهم أو ضعفه.
- الإضرار الذي يمكن أن يكون قد لحق بالسمعة الأكاديمية للجامعة، أو للجامعات- إن كان هناك جامعات أخرى فعلت ما فعلته رئاسة جامعة بغداد- نتيجة لهذه القرارات وغيرها، مما مسّ الأستاذ الجامعي، والطلبة، والعملية التعليمية، والعمل البحثي.
- الإشغال الذي ترتب على القرارات، لدوائر وكليات وأقسام وموظفين في مكاتبات ومخاطبات مكتبية عبثية لم يكن منتظراً منها أن تؤدي إلى نتائج إيجابية.
- وثانياً، الخسائر في أموال الدولة المترتبة على ذلك كله، وتحديداً في استخدام الورق والطباعة والبريد والخدمات وما إلى ذلك؟
واضح أن من يتحمل هذا هو فقط رئاسة الجامعة، وعليه من الطبيعي أن نتوقع، إذا ما توفّر حرصٌ على طلبتنا الباحثين أولاً، وعلى سياقات العمل الأكاديمي والوظيفي ثانياً، وعلى أموال الدولة ثالثاً، أن تُحمّل هذه الرئاسة كل الخسائر المعنوية والمادية، وأن يُساءل كل من كان وراء هذا ومحاسبته متى ثبُت عليه الخطأ أو الإهمال أو تعمّد إلحاق الأذى بالطلبة الباحثين وبالعملية التعليمية والبحثية وبممتلكات الدولة. ويبقي هنا أننا، مهما تفاءلنا بأن يتحقق هذا كله أو بعضه، نتساءل: كيف سنعوض طالب البحث قلقَة وارتباكه وارتباك عمله البحثي ووضعه النفسي؟ وإذ نعجز عن الإجابة على هذا، نتركها لمن نناديه، ولن نقول "لا حياة لمن تنادي".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

أوس الخفاجي: إيران سمحت باستهداف نصر الله وسقوط سوريا

عقوبات قانونية "مشددة" لمنع الاعتداء على الأطباء.. غياب الرادع يفاقم المآسي

مدير الكمارك السابق يخرج عن صمته: دخلاء على مهنة الصحافة يحاولون النيل مني

هزة أرضية جنوب أربيل

مسعود بارزاني يوجه رسالة إلى الحكومة السورية الجديدة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram