اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > إيزيديةتروي للمدى رحلةالهروب من جحيم داعش..عانينا من انقطاع الكهرباءوشح المياه قبل أن نهيم في العراء

إيزيديةتروي للمدى رحلةالهروب من جحيم داعش..عانينا من انقطاع الكهرباءوشح المياه قبل أن نهيم في العراء

نشر في: 13 يناير, 2015: 09:01 م

ما جرى للإيزيديين في سنجار ومناطق أخرى من الموصل على يد عصابات داعش كتب عنه الكثير ورويت مئات القصص البعض منها حقيقي والآخر مجرد تكهنات لما حصل على أرض الواقع .. شهادة المواطنة الإيزيدية  " بياز " التي روتها للزميلة فرح سالم تكشف الكثير من الحقا

ما جرى للإيزيديين في سنجار ومناطق أخرى من الموصل على يد عصابات داعش كتب عنه الكثير ورويت مئات القصص البعض منها حقيقي والآخر مجرد تكهنات لما حصل على أرض الواقع .. شهادة المواطنة الإيزيدية  " بياز " التي روتها للزميلة فرح سالم تكشف الكثير من الحقائق وتسلط الضوء على ماجرى في سنجار .. شهادة حية عن الألم والمعاناة ورحلة الهروب من جحيم داعش نقدمها كما هي على لسان بياز لتضاف إلى أرشيف المأساة العراقية التي لا يريد لها البعض للأسف أن تنتهي .
 
ليلة طويلة من الكوابيس ،أو الأحلام ربما زارتني فيها أم فارس "العمياء" بينما اشغلني جفاف حلقها عن الانتباه لكفاف بصرها أشغلني لدرجة لم انتبه فيه لانتفاخ بطنها وتورم جسدها بعد ان قضت أياماً في العراء بين جبل سنجار و"تل قصب"
نعم ، كانت ليلة طويلة، كنت فيها انتظر طلوع الصباح لأكمل مابدأته من حديث مع "بياز" التي حدثتني عن "أم فارس" وضحايا آخرين ممن هاموا على وجوههم،وفرَوا من بطش داعش مطلع آب الماضي. 
بدت" بياز" ذات الخمسة والثلاثين عاماَ مترددة أثناء الحديث في البداية، متعبة رغم مرور عدة اشهر على وقوع المأساة، على قسمات وجهها تظهرعلامات الحزن وفي عينيها قصص كثيرة لم تروً بعد .
" أين انتهينا؟ " بادرتها بالسؤال
كنا قد تحدثنا في الليلة الماضية عن الأيام التي سبقت دخول مقاتلي داعش ووصولهم إلى القرى والمجمعات السكنية المحيطة بسنجار، حيث يمثل أبناء الطائفة الإيزيدية في العراق غالبية السكان هناك.
الأيام التي سبقت فرار "بياز" وعائلتها من المجمع كانت أياماَ صعبة، فقد انقطع التيار الكهربائي عن المجمع لمعظم الوقت، وشُحّت المياه، إضافة إلى ازدياد مشاعر الخوف والقلق بسبب كم الأخبار المتواترة التي كانت تصل وتحمل قصصاَ عن مقاومة القرى القريبة ، كـ"سيبايه" و"كرعزير" و"كرزرك".
في ليلة 3/8 تحديداَ ، وبعد انتصافها بقليل، بدت أصوات الهاونات وكأنها قريبة جداَ، ولأن الجميع يعي تماماَ حقيقة الوضع هناك ، فقد صحوا من فورهم على أصوات القصف التي كانت متقطعة في البداية ثم مالبثت إيقاعاتها ان تتخذ شكلاَ مستمراَ. 
نزلت العوائل إلى "حوش" المجمع الداخلي حيث بدأ الرجال بالاستعداد لحمل أسلحتهم الخفيفة، وكثف البعض الآخر اتصالاته مع القرى والمجمعات المجاورة وتحديداَ " كرزرك" لمعرفة حقيقة الموقف.
آخر الأنباء كانت تتحدث عن استنفاد المقاتلين من سكنة المجمع المذكور عتادهم وقرب وصول المسلحين من تنظيم داعش لمناطقهم.
بين الأخبار المتضاربة والتكهنات والاستعدادات ، حل الفجر سريعاَ،ورافقه أيضا قرار مصيري يعبّرعن رغبة الجميع تقريباَ.
" سنرحل من هنا" !
حقيبة "بياز" كانت تحوي القليل من الملابس، فالجو حار، ولابد من متسع إضافي لعدة قنانٍ من المياه المعدنية، كانت تحوي كذلك بعض البسكويت وحليب أطفال، إضافة إلى كيسٍ ملفوف بقطعة قماش ربطته بياز على خصرها، كان يحوي مصوغاتها الذهبية إضافة إلى مستمسكات العائلة وأوراقها الثبوتية.
"خرجنا من المجمع عند حوالي الساعة السابعة صباحاَ،الذي خلا من ساكنيه تقريباَ ، إضافة إلى المجمعات المجاورة، كنت افكر في شيء واحد فقط، هو الوصول إلى بيت أهلي في سنجار" قالت بياز.
مجمع تل قصب أو "مجمع البعث" – تسميته ما قبل سقوط النظام- الذي يبعد قرابة نصف ساعة 9 كم عن سنجار المدينة ، حيث كانت "بياز" تقطن برفقة عائلة زوجها، الذي كان قد بني في العام 1972 ، وهو يعد مجمعاَ قسرياَ سكنه الإيزيديون بعد هدم قراهم القديمة الموجودة في الجبل تحت ذريعة مطاردة الخارجين على القانون بعد فشل الثورة الكردية إبان الفترة التي تسلم فيها حزب البعث مقاليد الحكم ، ومنذ ذلك التاريخ إلى اللحظة التي تلت خروج الأهالي منه،لم يتملك أي منهم شبراَ واحداَ فيه.
رحلة الهروب ابتدأت عبر تأمين واسطة نقل للعائلة تمثلت بـ" كيا حمل" تعود لأحد الأصدقاء من سكنة المجمع، حيث استقلت بياز "الحوض" الخلفي منها،رافقها في ذلك زوجها ووالدته وشقيقته وأطفالها الثلاثة ،إضافة إلى طفلها البالغ من العمر ثمانية أشهر.
لم يكن الطريق نحو سنجار معبداَ بالزهور، فحالة الذعر التي أصابت سكان "تل قصب" كانت قد أصابت سكان المجمعات المجاورة من قبلهم، مما جعل طريق الوصول إلى سنجار يبدو بعيداَ بسبب الزحام الخانق وحركة سير المركبات البطيئة.
"عند حوالي الساعة العاشرة صباحاَ ، وصلنا بالسيارة بعد جهد إلى نقطة التفتيش الرئيسية التي تفصل مدينة سنجار عن تل قصب ، لكن المفاجأة التي كانت تنتظرنا هناك ،هي أنها في الحقيقة :
تحترق !"
بدا ان تنظيم داعش بات يستولي على نقطة التفتيش الخاصة بمشارف سنجار ومايتلوها من نقاط تفتيش وعبور، وبعد ان تأكدت" بياز" من ان أهلها قد غادروا سنجار صعوداَ نحو الجبل، قررت العائلة تغيير وجهتها والصعود كذلك،لكن هذه المرة سيراَ على الأقدام ،لأن المركبة لا يمكنها الصعود بحمل مماثل ، وهذا مادفع بالسائق للإبقاء على كبار السن والأطفال، والطلب من البقية ان يكملوا رحلتهم سيراَ على امل اللقاء لاحقاَ في نقطة محددة.
"سرنا أنا وزوجي لمسافة مايقارب الساعة، كنت قد تركت طفلي برفقة والدة زوجي في السيارة, لكنني لم استطع إكمال السير بسبب قلقي على ولدي، فعدت أدراجي باحثة عن سيارتنا, بحثت طويلاَ , حتى إنني تقريباَ عدت لنفس المسافة التي قطعتها أصلا " قالت بياز بحزن وأردفت " كدت اجن, لم اجد ضالتي إلا بعد مرور وقت طويل حيث تبين ان السيارة كانت قد أصيبت بعطل مفاجئ ممادفع السائق للتوقف وعدم مغادرتها أملا في عودتنا, كانت لحظات لن أنساها أبدا وانا احتضن طفلي الذي كان يبكي منذ مدة طويلة , لربما كان الحدس واعني حدس الأمومة هو من أعادني إليه أصلا،، كان يبكي وانا ابكي معه "
بسبب المستجدات, فقد اضطرت العائلة لاتخاذ طريق آخر غير هذا الطريق بسبب انعدام أو قلة وسائط النقل, وهم في ذلك يشابهون حال العشرات من العوائل التي اتخذت ذات المسلك لنفس الأسباب.
في الطريق المذكور كان هنالك العديد من البيوت الطينية التي تعود لرعاة الأغنام ممن يرعون في الجبل , حيث كانوا يقدمون الماء والراحة للعوائل المارة بالقرب من مساكنهم.
بعد استراحتين أو ثلاث, استأنفت بياز وزوجها المسير برفقة طفلهما الذي كان عليهما التعاون على حمله , فتارة تحمله بمفردها, وتارة يحمله هو بدلاَ منها, وفي أحيان كثيرة كانا يتوسدان شرشفاَ متوسط الحجم ليكون بمثابة سرير له يرفعه والداه من جانبيه.
خيّم الصمت واستغربت بياز هذا الهدوء, اذ لم يبق إلا القليل من العوائل على الطريق الوعر, لكنها عزته لاتساع المكان وتعدد الوجهات, لكن هذا التفسير لم يتضح خطأه إلا بعد ان عم الذعر, وانتشرت أخبار تنظيم داعش الذي بدا انه بات قريباَ, اذ ان رايات القاعدة السوداء المرفوعة على سياراتهم المسرعة .. كانت تقترب
الخوف كان هو الإحساس السائد, واليأس كذلك.
لا فائدة من الأسلحة التي حملوها معهم, فالسيارات التي وصلت الى المكان كانت محملة بقطع السلاح الخفيف, وهو مايعني انهم صادروا كل ماصادفوه في طريقهم.
كانوا يرتدون بساطيل للمشي , ويحملون أسلحتهم بثقة , كانت وجوههم غريبة ولكنتهم كانت غريبة أيضا , الشيء الوحيد الذي كان معروفاَ هو العلم الأسود المرفوع, ولوحات السيارات .
" لماذا خرجتم من منازلكم؟ 
هل آذاكم أحد ؟ "
كان السؤال مفاجئاَ لزوج بياز ومن معه.
"خرجنا لان الجميع تركوا منازلهم وفروا هاربين" قالها الرجل بينما قطعة القماش البيضاء التي كان يحملها في يديه كراية استسلام بيضاء باتت كمنديل ليجفف جبينه الذي بدأ يتصبب, فمصيره ومصير عائلته على المحك .
بعد عدة أسئلة عن عائدية السيارات القليلة الموجودة على مقربة من المكان, أو الأغنام المنتشرة في المنطقة, جرت نقاشات جانبية بين المسلحين لكنها كانت بصوت خافت, وبعد وقت قصير, طلب المسلحون من عائلة بياز ومن كان برفقتهم العودة إلى منازلهم .
اللحظات التي مرت على بياز قبل إطلاق سراحهم – إن صح التعبير-كانت عصيبة, كان عليها ان تفكر في نفسها وفي مصير طفلها, كانت تتمنى لو تمكنت من الاتصال بأهلها لمرة أخيرة, علها تفلح في إيصالهم لمكانها, مكانها الذي سيكون قبرها ولا شك.
" كنا على يقين بأن طريق العودة لن يكون سهلاَ, لن ننجو،لأن هؤلاء المسلحين الخمسة فكروا في اطلاق سراحنا, لن ننجو لان هنالك سواهم ممن هو على استعداد لدفع الأموال مقابل رؤوسنا ".
استقلت العائلة أول سيارة صادفتها وابتدأت الرحلة من جديد,كانت الساعة قد تجاوزت الرابعة عصراَ تقريبا.
المشهد الغريب الذي بات مألوفاَ في ما بعد كان في كثرة نقاط التفتيش التابعة للمسلحين , حيث أنها كانت بمعدل (نقطة تفتيش كل 20 مترا).
" كنا نشاهد جثثاَ هنا وهناك, ومنازل وسمت جدرانها بطلاء اسود بعبارة : "تصادر للدولة الإسلامية" وهي بحسب مقربين , كانت تعود لضباط ومراتب ومترجمين , لم نكن نعي حقيقة ما يدور, كان هدفنا الخلاص وحسب, وبدا انه لا خلاص"
بطء حركة السيارة تسبب في لفت الانتباه نحو راكبيها , بطء ناتج عن عطب أصاب العجلة مما دعا بالسائق إلى السير على " الويل " فقط.
نقاط التفتيش " الداعشية" العديدة كانت تطرح السؤال ذاته أثناء مرورها " لماذا لا تتوقفون لإصلاح عجلتكم؟ هل انتم بحاجة إلى المساعدة؟"
داخل احدى السيطرات وبالتحديد نقطة التفتيش المشتركة بين تل قصب وسنجار وتلعفر كان ثمة زائر مهم, كان بلحية سوداء ويرتدي ملابس سوداء كذلك, كان يضع "لاقطة" في احدى أذنيه, ينادونه بالأمير , أو الخليفة.
توقفت السيارة لغرض التفتيش , كان الأمير أول من وجه السؤال إلى السائق بينما تفحص وجوه بقية الركاب عن كثب:
"هل أنتم مسلمون ؟"
الإجابة كانت سريعة ولا تحتمل الادعاء, فلا الثياب ولا الأوراق الثبوتية كانت ستساهم في تغيير الحقيقة التي يود المسلحون سماعها :
" نحن يزيدية "
نقاشات واعتراضات وحوارات بصوت منخفض دارت بين الأمير ومساعديه, انتهت بقوله لمرافقه بلهجة حادة " لا، ألم تسمع بذلك؟ لقد جاء العفو عن اليزيديين".
" أقسم إنني اعرف هذا الشخص, كنت التقيه في سنجار حيث كان يعمل سائقاَ لسيارة أجرة " قال السائق وهو يشير إلى معرفته بذلك المسلح الذي يقف الآن في نقطة التفتيش التالية, جنباَ إلى جنب مع مقاتلي التنظيم.
" هل أسلمتم ؟ " سأل الشاب المسلح بنبرة متشنجة, وفور معرفته بحقيقة بقائهم على ديانتهم , صرخ بصوت مرتفع" اركنوا سيارتكم هنا"
" كنا نعلم جيداَ ان لا أمان لهؤلاء, لكننا تشبثنا بالقليل من الأمل, فور نزولنا , اشرنا بأيدينا نحو الأمير الذي كان لا يزال واقفاَ في نقطة التفتيش القريبة, وقبل إتمام عزل النساء منا عن الرجال, جاء الأمر من الأمير بتركنا "
قالت بياز وأضافت:
" لا اعلم سبب رأفته بنا ,فهو امر غريب فعلاَ, رغم إنني اصبحت واثقة الآن بأن لكتاب حياتي وحياة عائلتي كان هنالك من صفحات أخر , دفعته لأن يقوم بما قام به "
لم تتحرك السيارة , هذه المرة لم يكن السبب تقنياَ , بل لان الأمر كان قد صدر لإيصال عائلة بياز إلى منزلهم أو منطقتهم السكنية على الرغم من رفضهم المشوب بالقلق والتوجس.
تطلعت بياز نحو زوجها الذي بدا شاحباَ هو الآخر, غلبه الصراع بين القلق على عائلته أو مهادنة المسلحين ومحاولة استرضائهم بأي شكل من الأشكال , وافق الجميع في النهاية رغم معرفتهم بحجم المخاطرة .
" لست واثقة منهم أبدا , ربما سيحاولون الاستدلال على مكاننا ليهاجمونا في ما بعد" همست بياز لزوجها بقلق ,فرد باختصار
" لن نصل إلى تل قصب, سننزل قبل ذلك"
السيارة التي أقلت العائلة كانت سيارة إسعاف هذه المرة, كانت مخرمة بالرصاص, تخلو من لوحة أرقام .
همّ الرجلان اللذان تطوعا لإيصال العائلة للصعود إلى السيارة, كانا عراقيين, يرتديان زياَ عسكرياَ, يحمل احدهما الكلاشنكوف على كتفه بخفة ,
بعد انطلاقهما بلحظات, تحدث احدهما إلى الآخر بصوت ظنه خافتاَ لكنه في الحقيقة كان واضحاَ لـ"بياز" بشكل كبير حين قال 
" يمعود خليهم يروحون,شنسوي بكل هالأسرى ؟"
يتبع

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram