يتعمق راقص التانغو بالفعل وردة الفعل
ما معنى الرقص ان لم يبدأ من الداخل حين ندرك المعنى الحقيقي للحياة؟ خلاصة يستدرجنا اليها كاتب فيلم " تانغو" لان كل البداية قد تكون من النهاية والانسان لا يدرك اخطاء الزمن الا بعد فوات الأوان، فهل نحتاج للآخر روحيا
يتعمق راقص التانغو بالفعل وردة الفعل
ما معنى الرقص ان لم يبدأ من الداخل حين ندرك المعنى الحقيقي للحياة؟ خلاصة يستدرجنا اليها كاتب فيلم " تانغو" لان كل البداية قد تكون من النهاية والانسان لا يدرك اخطاء الزمن الا بعد فوات الأوان، فهل نحتاج للآخر روحيا كي نمضي في إيقاع حياة مغاير نعيد من خلاله برمجة انفسنا على تقبّل الخسارة والربح في الحياة . دراما ايقاعية مبنية على دلالات ذات وزن حركي بصري متوازن يعتمد على التناغم مع الذات بموضوعية، وعلى الآخر بذاتية تتناقض مع الخطوات المعاكسة وهذه جمالية العرض المسرحي الراقص، فهو تعبير ايقاعي بلغة الرقص التي يشترط فيها المخرج موسيقى التانغو لما تحمله من غموض في طبقات الايقاع والحركة المتفاوتة بين القوة والضعف والتنافس بين ثنائي يشكل كل منهما اكتمالا للآخر حيث يتعمق راقص التانغو بالفعل وردة الفعل، والتفاعل المعقد القائم على حدة الايقاع وتراخيه. اذ تبدو قوانين الرقص جازمة ايقاعيا على الحركة والتعبير، هذا ما نجح فيه مخرج فيلم تانغو في تقديمه الى جانب الموضوع الانساني الموجوع لامرأة متنازع عليها ، ورجل تخطى الاربعين من العمر وبدأ يلمس تقهقر الجسد امام المنافسات النفسية الراكدة تحت تأثير حادث يؤدي الى فقدان راقص التانغو رجله التي هي بمثابة الاداة الاساسية للرقص. لكنها ليست الاداة الحقيقة للحب، فهل يخسر الانسان علاقاته الاجتماعية او حبيبته عند فقدان القوة التي جذبته نحو الاخر؟
الأفلام السينمائية الحقيقية بجوهرها الفني
يؤثر الماضي على المستقبل وما من محو له في الحاضر الا ويستكمله الماضي مع المستقبل، فثلاثية الزمن الماضي والحاضر والمستقبل تكمل بعضها البعض، وما يستطيعه الرقص من ترجمة للمشاعر او حتى لرواية الماضي بسرد ايقاعي لحروب تمت في الماضي، وبصمت يعتمد على حاستين : السمع والبصر. لهذا اعتمد " كارلوس ساورا" على المؤثرات من اضاءة وسينوغرافيا شديدة المهارة، وخطوات ايقاعية تجذب البصر بقوتها تاركا للمشاهد تحليلات التجاذب الفكري بينه وبين ما يتعارض مع فرقة الرقص. لان الافلام السينمائية الحقيقية بجوهرها الفني لا تعتمد على ما هو ربحي او ما هو يغرر بالجمهور. لان الفيلم يعالج احداث الماضي بخطوات رقص درامية مفهومة بتحدياتها وتحاببها ونظرتها العامة للمواقف السلبية والايجابية على سواء. لان الفكرة الاساسية لاي فيلم ان لم تعالج برؤية دراماتيكية تبقى ضمن ذاتها ولا تتخطى بموضوعيتها الفكرة المكررة في اكثر من عمل فني نراه. الا ان الرؤية الايقاعية هنا هي التي اسبغت على الفيلم جمالية متخيلة ذات طبيعة واقعية تجسد رقصة التانغو، وما تعنيه في كل مشهد راقص تمت احاطته بالموسيقى والضوء واللباس ، والمؤثرات ما بين ظل وعتمة وضوء، ليكتمل المشهد مسرحيا بعدها وضمن رؤية سينمائية تجمع الاسلوب المسرحي مع الاسلوب السينمائي في قصة هي لرجل فقد ركنا من اركان الرقص ، ولكنه برغم الاوجاع والمعاناة استكمل ما بدأ به دون الاهتمام الا بيقينه هو وما يراه متناسبا مع اخراجه ورؤيته الفنية، فهل نجح في ذلك ساورا ام انه منح العمل الفني مصداقية ازدواجية لفنان اندمج مع المخرج في لحظات تركت المشاهد بجمع بين المخرج في القصة والمخرج الفعلي لفيلم تانغو.
فعل محبوك دراميا بموسيقى تستتبعها لغة رقص لها زمنيتها
حب وهجران، ونسيان وتسامح وغضب ومعاناة، واوجاع اختلطت تعابيرها عند الخطوات ومعانيها ، وما تترجمه من فعل محبوك دراميا بموسيقى يستتبعها بلغة رقص لها زمنيتها التراثية ومعناها الشعبي الواسع ضمن المشهد الواحد المبني على قوة الحياة ومعناها، وتخطي الاحقاد في الوقت المناسب لتنجو راقصته من الموت المحتم في اقل من ثانية ينسى فيها انه اعرج، ولا يستطيع الهرولة نحوها لان الحب اقوى من اي المشاعر الاخرى التي تتناقض مع جوهر الانسان الحقيقي في لحظة يشعر فيها انه يخسر الاخر نهائيا، فيهرول محاولا استعادته بكافة الطرق وان بنسيان لحظتين ترك المشاهد امام مسرح الحياة الكبير ومعناه الخافق بالحقائق الانسانية المركبة من افعالنا من حب وقتل وخيانة ووفاء وشك ويقين، وتضاد نكتشف من خلاله مصداقية مشاعرنا تجاه انفسنا وتجاه الاخرين، وفي هذا انسجام كلي بين فريق العمل من ممثلين وموسيقيين ومصورين واخراج، وبين مخرج اعتمد على لوحات فنية راقصة تسرد براقصين متمرسين رواية الحروب ومآسيها ولغة القتل التي تتعادل مع لغة الحب . الا ان الاخير يتفوق على القتل ويمنح العمل ذكريات كثيرة من رميو وجوليت وصولا الى فيلم تانغو.
ايصال فكرة فنية قوية
قد يبلغ الاصرار فينا قوة العناد والصفات السلوكية المكتسية. الا ان المخرج اراد ايصال فكرة فنية قوية بمعناها ، لان اي عمل فني لا يعتمد على الموضوع او على ايصال فكرة انسانية هو عمل تجاري بحت، وهو يرفض هذا لان عرضه المسرحي يجب ان يسرد من خلاله وقائع الماضي بتراث الحاضر وجمالية اللحظة التي تجعلنا نرى المستقبل مضيئا انسانيا ، وعلى خشبة مسرحية مشغولة بدلالات مبنية على الواقع والخيال ، وعلى الحاضر والتاريخ الحامل لافعالنا في الماضي والتناحر والتوافق ضمن المشهد الواحد الذي يمكن تشريحه خياليا ، لنضعه في رقصة يقدمها ساورا، تترك لتاريخية رقصة تانغو رمزيتها القوية في الفيلم والوانه الحارة المثيرة للحواس مع الحركة والاضاءة، والرؤية المسرحية في المشهد السينمائي الذي اراد له ساورا ان يكون يمثابة تحدي في فيلم استطاع التمسك بالتاريخ والتراث والتجدد الزمني .