TOP

جريدة المدى > مواقف > لـم يبق لـي أصدقاء أحــياء في العراق

لـم يبق لـي أصدقاء أحــياء في العراق

نشر في: 15 ديسمبر, 2009: 04:45 م

ترجمة: عمار كاظم محمد في معظم أجزاء العالم تمثل نهاية العام أفضل وقت لتذكر أفضل ما في الماضي والنظر الى المستقبل بعين التفاؤل. لكن العراق ليس مثل بقية أجزاء العالم، فبالنسبة لي، فقد آن الآوان لكي أقوم بتحديث قائمة أمواتي. وآخر اسم قد اضيف اليها كان اسم صديقتي السابقة، فحينما تسلمت رسالة على هاتفي المحمول من أحد الأصدقاء يقول فيها « تقبل أحر التعازي
« سألته ما الذي حدث؟ جاءتني رسالة أخرى تقول أن صديقتي السابقة قد قتلت في تفجيرات الثامن من شهر كانون الأول في بغداد. فمنذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 احتفظت بقائمة تحتوي على اسم كل قريب او صديق قد قتل بسبب العنف فمنذ اواخر عام 2006 احصيت 124 حالة وفاة ثم توقف فجأة لأن الرقم 125 كان والدي. لقد أخبرني أبي قبل بضعة أسابيع من موته المأساوي بان دفتر هواتفه امتلأ بارقام هواتف معارفه واصدقائه المفقودين أو المقتولين وقد انضم بعد ذلك بوقت قصير الى تلك القائمة. حينما انظر الآن الى دفتر هواتفي الشخصي أقرأ « فلان « قتل في انفجار الجامعة المستنصرية عام 2007 وفلان قد فقد غرب بغداد عام 2005 وفلان قتل في انفجار وزارة العدل عام 2009 وهكذا تستمر أرقام هواتفي في معظم أجزاء الدفتر والوحيد الذي ظل حيا من بين أولئك هو من غادر العراق لقد فقدت آخر صديق لي حينما ذهبت لاجئا الى الولايات المتحدة في حزيران من عام 2009 وأشعر الآن بانه لم يتبق لي اصدقاء أحياء في العراق. اذا استمررت في تحديث قائمة امواتي فسوف تتضمن العشرات من الأصدقاء والجيران والأقرباء وزملاء العمل والدراسة وربما يصل الرقم الى المئات أو الآلاف اذا اضفت اقرباء الأقرباء وكلهم كانوا مدنيين، مستخدمين وطلابا وفنانين واساتذة وصحفيين ورياضيين أو محامين أو عمالا أو اطفالا. وكرجل درس السينما وانتج العديد من الأفلام التلفزيونية الوثائقية اتجه الى الأفلام في اغلب الأحيان لكي أحول انتباهي ولو مؤقتا عن الحقيقة المؤلمة وهي في بعض الاحيان تساعدني في وصف حالتي. في فيلم «Meet Joe Black» يقع ملاك الموت في حب ابنة ضحيته والكثير من العراقيين الذين التقيتهم بعد عشرات ومئات التفجيرات مازلوا يتساءلون هل هناك خطة لإيقاف الموت الذي يدعي دائما أن الأولوية في عمله هو حياة العراقيين؟ عندما شاهدت الفيلم الأمريكي « الاتجاه الأخير « حدثت نفسي بان ذلك بالضبط هو ما كان يحدث لنا فمنذ اواخر عام 2006 نجوت من 40 انفجارا كان معظمها في ساحة التحرير الساحة العامة الأكثرة شهرة في بغداد فقد تعودت أن امر عبر هذا المكان مرتين يوميا في طريقي الى العمل وقد ضرب هذا المكان لعشرات المرات ما بين عامي 2005 و 2006 وبقيت حيا لأنني كنت فقط امر متأخرا أو متقدما ببضع دقائق عن مكان الانفجار وهو ما يبدو مثل الطائرة الملعونة في فيلم الاتجاه الاخير والتي تحمل الشعب العراقي. لقد كان اسقاط تمثال صدام في عام 2003 بالنسبة لي ولملايين من العراقيين هو بمثابة رمز لولادة امة جديدة لكن بدلا من ذلك كان هناك مشهد تمت مراقبته من قبل ملايين العراقيين في السنوات التي تلت وقد منع المسؤولون العراقيون المصورين من التقاطه. لقد كان ذلك مشهد المشارح داخل المدن العراقية ففي أواخر عام 2006 كان الدور لي لزيارة احداها للبحث عن أبي وقد عددت على الأقل 200 جثة جديدة في مشرحة الطب العدلي في بغداد وهو ما يشبه مشهد المشرحة في فيلم «الفقدان» والمشهد الأكبر والذي لايمكن إخفاؤه هو مشهد مقبرة النجف فقد استمرت بالتوسع حتى اصبحت أكبر مقبرة في العالم، ولملايين العراقيين كان هذا المشهد يمثل موت أمة. العديد من اصدقائي شعروا بانني كنت اتصرف بشكل شاذ حينما لم ابك في جنازة أبي لكنني في الحقيقة كنت اشعر بأنني فقدت القدرة على الاحساس بالألم والحزن وقد قرأت ذات مرة أن العديد من الأوروبيين قد شعروا بنفس الحالة من الجفاف العاطفي بعد أن شاهدوا كوارث الحرب العالمية الثانية. من ناحية أخرى كان يتكرر لدي نفس الحلم في كل ليلة ولمدة اربعة اشهر متتالية بان أبي لم يمت ومازال لدي هذا الحلم لكنه تقلص الآن لليلة واحدة في الاسبوع، أنه شيء يمكن وصفه بسلسلة من المشاهد التي تمثل كل ذكرياتي السعيدة ممتزجة مع الحب الضائع لكنها تنتهي دائما مع مأساة باقية الى الأبد. ولي الآن مشاهد جديدة هي المرة الأولى التي التقينا بها، الكلمة الاولى التي تبادلناها الابتسامة الأولى، المكالمة الأولى، الموعد الأول، المرة الأولـــى التي اكتشفنا فيها باننا نحب بعضنا البعض والعناق الأول لكنني أصحو لأتذكر المشهد المرعب الأخير وهو الفتاة الجريحة وهي تسحق تحت اقدام الهاربين الفزعين لكي ينجوا من الموت. عن: هيرالد تربيون

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

العراق يعاني نقصاً فـي تجهيزات المصابين بالأمراض العقلية
مواقف

العراق يعاني نقصاً فـي تجهيزات المصابين بالأمراض العقلية

ترجمة : عمار كاظم محمد كانت أسماء شاكر، أحد المرضى الراقدين في مستشفى الأمراض النفسية في  بغداد، تجلس على بطـّانية مطبوع عليها صورة نمر ، كانت عيونها متثاقلة، فقد بدأ مفعول الأدوية بالعمل ،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram