TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > أكاديمية مجلس النواب

أكاديمية مجلس النواب

نشر في: 15 ديسمبر, 2009: 05:00 م

شاكر الأنباري جلسات المساءلة التي يعقدها مجلس النواب للوزراء والمسؤولين الأمنيين تشير الى حالة جديدة في العراق، وربما في المنطقة، فهي المرة الأولى التي يرى فيها المواطن مسؤولا مثل وزير الدفاع، او مدير المخابرات، او وزير الداخلية، يستجوب امام حشد من ممثلي الشعب،
وعلى مرأى من شاشات التلفزيون التي تبث لمئات ملايين الناس. هذه الظاهرة تقرأ من زوايا عديدة، وتستحق التأمل والحوار، ويمكن اعتبارها قفزة نوعية في الاداء السياسي، لها دون شك ترجيعات بالغة. هناك اذن كسر لقدسية المسؤول، وهي ظلت لعقود مثار رهبة للفرد العادي. هذا الفرد يرى رئيس الوزراء، والوزراء، والضباط الكبار، وهم يردون على اسئلة حساسة تخص عملهم وتفاصيله. يرى ذلك المسؤول وهو يتلعثم في اجاباته ويتأتئ ويتلكأ، وربما يناور، ويراوغ،... ويكذب بعض الاحيان. كما حدث لأكثر من وزير ومسؤول. راقب تلك الظاهرة عامة الناس. هذه المراقبة تنزل صورة المسؤول من قدسيتها المتوارثة الى ارض الواقع، اي النظر الى هكذا رموز رسمية على انهم بشر أولا وأخيرا، الأمر الذي يمكن عده تدريبا كبيرا على خروج الفرد من سطوة الخوف المتوارثة وقد ولدتها سنوات القمع، والترهيب، والتكميم، والهيبة الكاذبة. النقطة الأخرى هي تلقين المسؤولين الآخرين، او من سيأتون لاحقا، دروسا ماكنة حول انه لن تكون هناك عصمة لأي مسؤول في مواقع الدولة يرتكب اخطاء، او يتطلب منصبه مسؤولية عالية تتعلق بحياة المواطنين ومعاشهم. المساءلة أمام عدسات التلفزيون، وأمام كافة الكتل السياسية الممثلة في مجلس النواب، تعتبر لدى من يكون مقصرا فضيحة اخلاقية، واجتماعية. عدا انعكاساتها السيئة على تاريخ المسؤول ذاته، وعائلته، والمحيطين به. اذ لا يعود هناك ما يمكن تغطيته، وستره عن الألسن. وهذا يقرب المسؤولين قليلا قليلا الى حقل الشفافية في الأداء، وهو مطمح يتكلم به معظم المواطنين، بعد ان جاء العراق في رأس القائمة التي تذكر البلدان الفاسدة في العالم. ولعل الدرس الأبلغ الذي تعطيه هذه الاستجوابات، طبعا بغض النظر عن نتائجها، هو تعليم النخبة السياسية العراقية آلية الديمقراطية. ويعتبر هذا الدرس اهم ما يمكن حصاده في السلم الذي يصعده العراقيون تدريجيا الى شرفات العملية الديمقراطية. كيف تحاور، وكيف تحتمل الهجوم السياسي عليك، وكيف ترد بأجوبة مقنعة، وكيف تستبعد الخطب الرنانة المتوارثة، وتقدم حججا مقنعة تستند الى وثائق واحصائيات وبيانات. كل هذا يسجل على أنه فضاء جديد على السياسة العراقية. ومن هنا يمكن القول ان على مجلس النواب ان يتحول الى اكاديمية ديمقراطية، لها تقاليدها الراسخة، رغم تغير الحكومات والأشخاص، لا الى مصنع لتفريخ الامتيازات وترسيخ المحاصصات الطائفية والقومية. وقد تحتاج هذه الاكاديمية الى تراكم طويل في خبرة الاستجوابات، والحوارات، حول البرامج الحكومية والقوانين وتشريع الأنظمة التي توجه المجتمع للسنوات القادمة. المتفائلون يؤمنون أن ذلك سيتم تدريجيا، فلا يمكن صنع نموذج واحد للديمقراطية، اذ هي تتعدد بتعدد المجتمعات والبيئات. ولا بأس ان تنال ديمقراطية العراق شيئا من التفرد، في المنطقة على أقل تقدير.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram