في كل مرة تقفز إلى الأذهان دروس وعِبر من بطولات سابقة خرجنا منها بإرادتنا ونعترف بخطايانا تجاه سمعة الكرة العراقية لأننا دائماً وأبداً نعيد تكرار الأخطاء نفسها وكأننا لا نريد أن نتعلّم كيف ننجح في الخروج من شرنقة الضعف التي لم تزل تسرق منا طموحات كبرى نتيجة عدم مقدرتنا على مواجهة أنفسنا عقب كل خيبة، ونتكابر فوق تقصيرنا بلا موقف شجاع يعرّي المستبدين بآرائهم ويُقصي المتقاعسين عن أداء المهمة الوطنية التي لا تعوّضها دموع الندم ولا تبادل عبارات الملامة.
اني لأستغرب تصرّف البعض وهو يستنزف الوقت في تحليلات فضائية وصحفية عن أرجحية المنتخب الياباني واستحقاقه النقاط الثلاث التي انتزعها من أفواه الأسود غير مستدرك إنه لولا الدفع المتهور لعلي عدنان للمهاجم هوندا بإصرار مثلما أوضحته لقطة التلفاز وتمكن (الساموراي) من حسم النتيجة من نقطة الجزاء لما أضعنا نقطة التعادل اضعف الإيمان ولم نكن سنسمع عن الفوارق البدنية والعقلية الاحترافية ونظام التخطيط وسرعة اللاعبين وجاهزيتهم الكاملة التي يتمتع بها اللاعب الياباني!
إذن كان بالإمكان تغيير لغة الحديث بالكامل لولا ذلك الخطأ، فهل هناك أسباب جوهرية أخرى قوّضت اندفاع الأسود في مقارعة القوة اليابانية وتحجيم عناصرها وإجبارها على التعادل والتفرغ للقاء فلسطين بلا وجع رأس أو شبك أصابع القلق!
بالتأكيد أول من يتحمّل المسؤولية هو المدرب راضي شنيشل لأنه رضي بمجاملة القائد يونس محمود على حساب مصلحة المنتخب في هكذا بطولة لا يمكنك المغامرة باعتماد لاعب غير جاهز باعترافه شخصياً وتضيع منك ثلاث نقاط وتذهب لمواجهة فلسطين بخيارات مفتوحة ربما تؤدي إحداها الى عودتك السريعة لبغداد أو الاستمرار في دور آخر لا يؤمّن مصيرك إذا ما بقي حال المنتخب يراوح في محله خجلاً من إجراء تغييرات ضرورية بسبب تغليب تيار العواطف في السياسة الفنية بتأثير طبيعة التكليف الطارئ للمدرب ورغبته في إنهاء مهمته بلا حساسيات قد تنعكس على العلاقات المتينة التي تربطه مع الجميع.
السبب الجوهري الثاني، كيف بثلاثة مدربين نالوا قبول لجنة المنتخبات والإعلام والجمهور بأغلبية كاسحة لتولي المهمة، أن يسمحوا للمدافعين بأداء واجبهم بعدوانية وعنف داخل منطقة الجزاء، والحالة هذه لا تقتصر بعلي عدنان، بل ان هناك العديد من الحالات التي تسببت باحتساب ركلات جزاء ضدنا أو أغفل الحكام احتسابها تقتضي معالجتها بمزيد من الجرعات التدريبية والتوجيهات العملية وأشرطة الفيديو في كيفية مواجهة المهاجم واستخلاص الكرة من قدميه أو مزاحمته على كرة رأسية أو مراقبته لصق نفسه من دون التهوّر بعرقلته أو دفعه أو سحب قميصه. متى يعي المدافع ضرورة اللعب النظيف وعدم إحراج المنتخب وإضاعة جهد الملاك التدريبي واللاعبين بحركة رعناء نتيجة عدم جاهزيته بدنياً أو بدافع انفعال داخلي أو انتقام من الخصم بردة فعل سلبية؟
لابد من ذكر الحقيقة ان المدرب السابق حكيم شاكر يتحمّل قتل النزعة الهجومية لأسود الرافدين بعدما تجاهل نصائح مخلصة كثيرة من إعلاميين ثقاة ومحللين أكثر منه خبرة وتمرّساً في المهنة، بقي شاكر متمسكاً بيونس في جميع المباريات التي قادها ولم يجرؤ اطلاقاً على مناداته (كابتن.. استرح.. ودع بديلك يحتك ويتعلم) ولعل عبارته التي اطلقها على متن الطائرة المتجهة الى السعودية للمشاركة في خليجي 22 فضحت (الوهم الكبير) الذي مرره شاكر (بقصد أو دونه) الى الجماهير وليس الإعلام طبعاً بقوله "إصابة أبي ذنون كسَرَت ظهرنا" وهو يعلم عدم فائدة ترشيحه بُعيد انتهاء آخر مباراة أمام الصين في 5 آذار 2014 برسم تصفيات أمم آسيا الحالية ليتنسى له إعداد بديل كفء يتوق لاحتلال المركز بحماسة كبيرة تشكّل لديه دافعاً للسير على خطى يونس والانسجام مع علاء عبد الزهرة وأمجد كلف على غرار تجربة المدربين الكبيرين اكرم سلمان وعدنان حمد في تدعيم خبرة يونس محمود وعماد محمد بقربهما من رزاق فرحان.
نقف باحترام للقائد يونس محمود لما قدمه من عطاء متميز لوطننا في محافل دولية عديدة لم يتوان فيها القبض على جمرة الإصابة وتحمّل آلام مُبرحة من أجل إهداء الشعب أحلى الأفراح الكروية، لكنه اليوم يقف أمام طموحات مهاجمين شباب لم يجدوا الفرصة مواتية ليعبّروا عن مكنونات مواهبهم ومسايرة التطور اللافت في مواصفات المهاجم الشامل الذي لا يكتفي بالتسمّر قرب دفاعات الخصم، بل مساندة المدافعين في اللحظات الحرجة وهذا ما يفتقده يونس وليس بخافٍ عن الجميع.
لتكن مباراة فلسطين بعد غد الثلاثاء محطة مفصلية في استقرار التشكيل وعدم الخوف من كشف أوراقنا مبكراً واللعب بأفضل اللاعبين لكسب اللقاء بأهداف وفيرة تحول دون وضعنا في حسابات شائكة قد تفسد حلم التقدم الى أدوار قريبة من الكأس الآسيوية مثلما رفعها الأسود على منصة ظروف 2007 القاهرة برفقة مدرب عجوز مجهول السيرة ولا يمتلك تاريخ وثقافة وذكاء ابن العراق راضي شنيشل.
لمَ الخوف يا شنيشل؟
[post-views]
نشر في: 17 يناير, 2015: 09:01 م