جيد جداً أن يوجّه رئيس مجلس الوزراء مؤسسات الدولة والأجهزة العسكرية والأمنية بـ"توفير الأجواء المناسبة والآمنة لعمل المؤسسات الإعلامية وتسهيل مهمة الصحافيين والإعلاميين بكل انسيابية وحرية"، فهناك حاجة موضوعية لتوجيه كهذا.. حاجة ناشئة عن الموقف السلبي التقليدي الراسخ لمؤسسات الدولة، والمؤسسات العسكرية والأمنية في مقدمها، حيال الإعلام والإعلاميين.
ولكن.. لماذا يتعيّن على رئيس مجلس الوزراء أن يُصدر بنفسه هكذا توجيه كيما تستقيم أمور مؤسسات الدولة مع الإعلام؟.. هذا ليس بشغله ولا أي عضو في حكومته. الدستور قد كفل مبدأ حرية تدفق المعلومات بكفالته حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل وحرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر (المادة 38). وحرية تدفق المعلومات تعني حرية الوصول إلى المعلومات وحرية نشر المعلومات، باعتبار ان المعرفة حق لمواطني الدولة ذات النظام الديمقراطي، أفراداً وجماعات، هو في مستوى وأهمية حقهم في انتخاب ممثليهم في البرلمان، ومن المفترض أن تتقيّد مؤسسات الدولة بأحكام الدستور ولا تعمل بالضد منها أو بخلافها. بغير هذا سيكون على رئيس مجلس الوزراء أن يتفرغ لكي يُصدر كل شهر وربما كل أسبوع توجيهاً كهذا لأن حالات عدم تسهيل مهمة الإعلام والإعلاميين، وبخاصة في مجال توفير المعلومات، متكررة، ولا استثناء لأي مؤسسة للدولة من هذا.
الريبة والسلبية حيال الإعلام مترسختان في موقف المؤسسات من الإعلام .. بعض من هذا متوارث من حقبة الحكم الدكتاتوري، وبعضه يرجع الى مناوءة الكثير من مسؤولي الدولة لمبدأ الشفافية بسبب فسادهم الإداري والمالي وعدم كفاءتهم في الغالب. لكن لبعض مؤسسات الدولة ومسؤوليها بعض الحق في اتخاذ موقف الريبة والسلبية بسبب فساد وعدم كفاءة ومهنية بعض المشتغلين في الإعلام. وفساد وعدم كفاءة ومهنية بعض الإعلاميين ترجع إلى سيادة الإعلام الحزبي والإعلام المرتزق العائش على فتات الأحزاب ومسؤولي الدولة الفاسدين وغير الأكفاء. ويرجع فساد وعدم كفاءة ومهنية بعض الإعلاميين أيضاً إلى ما يماثله من فساد وعدم كفاءة ومهنية في قيادات المنظمات المهنية الصحفية والإعلامية (النقابات والاتحادات).. هذه المنظمات لا تهتم بأي مستوى من الاهتمام بالشروط المهنية للعضوية فيها وبربط هذه العضوية بالالتزام بأخلاقيات المهنة الصحفية والإعلامية.
الإعلام في بلادنا أصبح مهنة من لا مهنة لهم، ومهنة الساعين لتكوين الثروة بوسائل الارتزاق والابتزاز.
والحل؟ ... إنه يكمن في تشريع قوانين تنظّم ممارسة الحريات المكفولة دستورياً (تنظّمها ولا تقيّدها)، وبينها حرية التعبير عن الرأي وحرية الإعلام والصحافة والنشر.. وأول القوانين التي نحتاجها في هذا المجال هو القانون الذي يضمن حرية تدفق المعلومات، كيما تصبح مؤسسات الدولة تعرف من تلقاء نفسها أن من واجبها توفير المعلومات ليس فقط للصحفيين وسائر الإعلاميين وإنما أيضاً لكل المواطنين، وكيما لا يجد رئيس مجلس الوزراء، أو سواه من كبار المسؤولين في الدولة، نفسه مضطراً كل شهر أو اسبوع للتوجيه وإعادة التوجيه بتسهيل مهمة الإعلاميين.
ليس هذا شغل رئيس الوزراء
[post-views]
نشر في: 17 يناير, 2015: 09:01 م