TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مطلوب عملية مراجعة وتهذيب

مطلوب عملية مراجعة وتهذيب

نشر في: 18 يناير, 2015: 09:01 م

المسيحية الأوروبية حتى نهاية القرون الوسطى وبداية العصر الحديث كانت متوحّشة للغاية، كما هو الإسلام الذي تتبناه الآن القاعدة وطاليبان وداعش والنصرة وبوكو حرام وحركة الشباب الصومالية وسواها من المنظمات المتطرفة – الإرهابية.
مسيحية تلك الحقبة كانت تعدم وتحرق حتى المفكرين وتغزو وتخوض الحروب الدينية والطائفية، وتسبي وتأتي بكل ما يستنكره ويندّد به الآن العالم كله من ممارسات للمنظمات الإرهابية التي تخوض حربها فقط ضد الديانات والمذاهب الأخرى، بل أيضاً ضد الإسلام نفسه، فأعداد الضحايا وكمية الدمار المترتب على ممارسات المنظمات المتطرفة هي بين المسلمين وفي العالم الإسلامي أكبر بما لا يقاس مما في "بلاد الكفر" المزعومة.
لكن الكنيسة الأوروبية في تلك القرون وجدت نفسها في صراعات مهلكة ومدمرة مع مجتمعاتها والمجتمعات الأخرى، ولم تر في النهاية بدّا من التهذّب والتعقل والاعتدال لكي تبقى المسيحية ولا تفنى في تلك الصراعات، فكانت أن انبثقت حركة الإصلاح التي قادت الى عصر النهضة والصناعة واختراع النظام الديمقراطي، فصار الدين لله والوطن للجميع، ما نجم عنه أن تحولت أوروبا إلى مركز للعالم المتحضر المتقدم على نحو عاصف والمرفّه بدرجة كبيرة.
نحن في العالم الإسلامي نبدو اليوم وكأننا نسخة مكرّرة لأوروبا في تلك الحقبة المظلمة، فهذه الاندفاعة المتطرفة لقوى ومنظمات إسلامية تعيد إنتاج ممارسات متوحشة في تاريخنا والتاريخ الأوروبي على حد سواء.
أوروبا المسيحية تعقلنت وتهذّبت وتحضّرت بالتعليم والعلم وبالأدب والفن وبتهذيب التعاليم الدينية نفسها، فلم تعد الكنيسة تفسّر نصوص الإنجيل على وفق ما كان يفسّره الباباوات والأساقفة والكهنة في عهد التوحش المسيحي – الأوروبي... أُعيد النظر في النصوص وفي الطقوس كذلك، وهذا بالضبط ما نحتاج إليه اليوم في العالم الإسلامي.
من المستحيل مواجهة الأصولية المتطرفة مع الإبقاء على المناهج الحالية لتدريس مادة الدين في مدارسنا.. هذه المناهج هي التي تمهد الأرض الخصبة وتهيء البيئة المناسبة للتطرف والإرهاب ومنظماتهما، لكي تجتذب الشباب الغرّ الخاوي والمُحبط والمهمش إلى صفوفها وإعدادهم مقاتلين شرسين ضد مجتمعاتهم والعالم كله.
مصر أعادت في الآونة الأخيرة النظر في منهاج التربية الدينية في مدارسها، وإقليم كردستان أوقفت سلطاته الأسبوع الماضي عن العمل عدداً من خطباء الجوامع الذين بدلاً من أن ينددوا بالممارسات الفظيعة لداعش، درجوا على شتم مذاهب إسلامية وديانات وحركات سياسية معينة. إجراءات من هذا الطراز ضرورية لمواجهة الحركات المتطرفة والإرهابية التي ترفع راية الإسلام فيما تُسيء إلى الإسلام وتُظهره بمظهر الدين المتوحش على غرار ما كان سائداً في أوروبا في الحقبة الممتدة من القرون الوسطى إلى بداية العصر الحديث.
لا مناص من عملية مراجعة وتهذيب للمناهج والتعاليم والطقوس لإنقاذ الإسلام من أكبر عملية تشويه يتعرّض لها الآن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. سامي الحاج_ السويد

    (المنظمات الإرهابية التي تخوض حربها فقط ضد الديانات والمذاهب الأخرى، بل أيضاً ضد الإسلام نفسه) أظن أن السيد الكاتب قد نسي، سهواً، كلمة (ليس) التي يجب أن تأتي بعد كلمة (حربها) لكي يكتمل المعنى.. مع التحية

  2. سامي الحاج_ السويد

    (المنظمات الإرهابية التي تخوض حربها فقط ضد الديانات والمذاهب الأخرى، بل أيضاً ضد الإسلام نفسه) أظن أن السيد الكاتب قد نسي، سهواً، كلمة (ليس) التي يجب أن تأتي بعد كلمة (حربها) لكي يكتمل المعنى.. مع التحية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram