يكتب الزميل وائل نعمة في عدد المدى اليوم مدخلا لواحدة من اهم الحكايات التي يجب ان نواصل الاطلاع عليها، لمعرفة حجم الفوضى ونقص الحكمة في تطبيق قانون المساءلة والعدالة، حيث صارت الاوامر في توقيت غريب، تطلب طرد ضباط مصابين خلال دفاعهم عنا وخوضهم حربا شرسة ضد داعش. اريد ان اتحدث اليوم ايضا بنحو موجز عن الموضة التي يستسهل العراقيون التورط بها كلما اصابهم الملل، وترديد سؤال: شنسوي بالديمقراطية والبرلمان؟ ولا مشكلة لدي مع هؤلاء، فانا مثلهم اشعر بالسأم من وجود السيدة عالية نصيف في البرلمان منذ خمس سنوات، ولكن ماهو الحل؟ وكيف سنعثر لكم على دكتاتور مضمون وعادل يستطيع ارضاءكم؟ اليس هذا نقاشا يثير السخرية؟
اقرأ قبل قليل في التقرير الخبري الذي تنشره المدى اليوم عن اجتثاث اخر دفعة ضباط، وتكتشف خلالها ان اللواء الشهيد محمد صداك الدليمي، قتل اثناء المعارك ضد داعش قبل اسابيع، وهو مجتث. وان الضباط المشغولين بالقتال في هذه اللحظة، عين على العدو، وعين على كتب الطرد التي تنتظرهم بتهمة الانتماء للبعث. كما ان من المشمولين بالاجراءات المفترضة، عدد من ابرز قادة التشكيلات العشائرية التي منعت سقوط الانبار بيد جنود الخليفة، وقدمت تضحية كبيرة وهي تعيش اليوم مجاعة وحصارا ونقصا في كل شيء.
ولا ادري هل احتاج اثناء معالجة هذا الموضوع ان اقوم بتذكير بعض القراء المنفعلين بانني من عائلة قمعتها سلطات البعث بقسوة، ام ان الصدمات الاخيرة جعلتنا نفكر بشكل اهدأ، لكن لنتخيل هذا المشهد.. الناس في الانبار يتعرضون لهجمة رهيبة، وهم يدافعون عن بغداد لان سقوط الرمادي سيعني تهديدا رهيبا للعاصمة. واثناء ذلك فان البعض في التحالف الوطني يخشى تسليح الانباريين، ويعجز عن مدهم بجيش كاف يحميهم، ولا يسمح لهم بالاستعانة بتسليح خارجي، وفوق ذلك فان هناك تيارا شيعيا يواصل اجتثاث ضباطهم وهم يتعرضون للقتل خلال الحرب.
انه لغز رهيب غير مبرر، ويجب ان يوضع على طاولة اكثر النقاشات صراحة، واذا تعرضنا للتفكك يوما، فمن غير المسموح الحديث عن اي مؤامرة، سوى اننا نتآمر على انفسنا بشكل مضحك، ومن حق داعش ان تسخر من دولة تجتث جرحاها وشهداءها، وتضع السيد عبعوب امينا على بغدادها.
اما حكاية السأم من الديمقراطية، فهي تأتي احيانا على شكل لحظة غضب مفهومة تتملكنا جميعا، لكن احد النواب العباقرة اخذ يطالب رسميا بالغاء مجالس المحافظات. ولا ادري لماذا يعتقد السيد النائب ان برلماننا الاتحادي ضروري، لكن برلمان البصرة ونينوى وبابل غير ضروري وينبغي حله؟ استنادا لاي تجربة يتحدث، ووفق اي معيار يتمنى، وكيف سنطبق اللامركزية الادارية اذا استمعنا لنصيحته الحكيمة؟
ان مبرره لهذا هو ان مجالس المحافظات فشلت. ولكن من قال ان البرلمان الاتحادي نجح؟ ويقول ايضا ان مجالس المحافظات تثقل كاهل الدولة، بالاموال والنفقات. واسأل سيادته: وما المانع من ان تطالب بترشيد مرتبك ومرتبات زملائك، ونفقات كل البرلمانات الاتحادية والمحافظاتية؟ اليس كل الناس طلبوا ذلك، وبدلا من الاستجابة للمطلب المبرر في زمن العجز المالي، يفكر البعض بالغاء المؤسسات التي تحفظ التعددية السياسية، والتي يمكن تطويرها لو شعرت الاحزاب بمسؤولية اكثر واحست ببعض الحياء من شعب واعٍ يحاسب ساسته بمنطق واضح.
لقد وجدت في نيوهامبشير وهي ولاية اميركية على حدود كندا، يقطنها مليون نسمة فقط، برلمانا محليا من ٤٠٠ عضو. لقد حرص المجتمع السياسي على تمثيل كل زقاق في الولاية، بنائب. ولكن جعلوا مرتب النائب ١٠٠ دولار فقط، كي لا يرشح للانتخابات سوى من يريدون الخدمة او المكتفين ماليا ومن لديهم مرتب تقاعدي. ان الامم تجد الف طريق لترشيد نفقاتها ولتدريب المجتمع على سياسة انضج، بمعزل عن المقترحات العبقرية لبعض نواب هذا الزمن.