اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أين الثقافة في ذلك وما الحل؟

أين الثقافة في ذلك وما الحل؟

نشر في: 20 يناير, 2015: 09:01 م

بدأ صاحب المقهى بتغيير ترتيب الكراسي والطاولات، طلب من جلسائه الانتظار ريثما يفرغ من عمله هذا. جمهور المقهى متلهف ينتظر بداية اللعبة. الفريق العراقي مع غريمه في المباريات الدولية، عيون المتفرجين باتجاه الشاشة الكبيرة، والكل في شُغل وشوق لمعرفة ما سيجري هناك، بعد دقائق.
أمرٌ مثيرٌ ان تجد غالبية روّاد المقهى التي يزعم مثقفو المدينة انها لهم، تعج وتضج بعشرات الرجال ومن كل الإعمار، لا لشيء سوى انهم يبحثون عن نتائج لعبة لكرة يتقاذفها بين أرجلهم لاعبون ماهرون، غير مبالين بأكوام النفايات التي تحيط المقهى من كل الجهات، ولا يعنيهم من أمر السياسة والفساد وشح المال وسرقة المليارات شيء. تقف وسط المشهد المذهل هذا لتقول مع نفسك:أين موقع الثقافة في ذلك، وما الحل ؟
تخرج من دائرة البريد سعيداً لأنك تلقيت طرداً فيه مجموعة كتب ورسائل وهدايا، بعثها لك أصدقاء كانوا معك في بلادك، لكنها حين ضاقت بهم غادروها، الى حيث الآمال أكثر سعة هناك، وحيث يجد الإنسان ضالته. وفي مكتب صغير، هو دار نشر حديثة، يجتمع فيه عدد من الأصدقاء ممن يعنيهم أمر الثقافة والأدب والموسيقى ويتعاطون الوعي، لكنك تفاجأ بحديث الشيخ فلان الفلاني، الذي ظل يحدّثهم عن بطولة قبيلته، وعظمة مشيخة آبائه، وطريقتهم في الغزو والنهب التي تختلف عن طرائق بقية القبائل في تصديها لغيرها، وانه ألًّف كتابا يتحدث فيه عن نسب القبيلة وأصولها ثم ينبري آخر ليتحدث عن من سكن البصرة من قبل، وينحرف الحديث باتجاه الأصول والقوة في الغزو، وهكذا تستعيد السؤال الذي قلته في المقهى، أنت البصري الذي لا تملك قبيلة، وليس لك من نسب سوى الكتابة والشعر والموسيقى والحب والاستمتاع بمشهد الشمس وهي تنزل غاطسة في شط العرب. أين موقع الثقافة في ذلك، وما الحل ؟
يأخذك ابن عمٍّ لك إلى مجلسٍ للعزاء، فتدخل حسينية بنيت حديثا، زينت أعمدتها بالرخام والقاشان وفرشت أرضيتها بالسجاد الإيراني الفاخر، مضاءة بأجمل ما يكون الكريستال والبلور، تفتش عن قرين، شبيه بك، بين الرجال الذين من حولك ومن أمامك ومن خلفك، فتجدهم ملفعين بالثياب السود والأذقان الطويلة والجباه المختومة والمسابح الطويلة التي تتقاذفها الأكف المزينة بأنواع الخواتم. وساعة يحين السمر والتفاخر، بعد انفضاض المجلس. يتحول الحديث بين من تبقّى من الاهل والجيران والأقربين من التذكر الحسن والتواصي بالجيرة وحسن الخلق والتراحم إلى نبش السير وتقليب الصفحات البالية في التواريخ، ليُبلغَ به الى ذكر المعايب، وإشاعة الشبهات بالسلف، والتعرض لهم، ولا تجد بينهم من ينبري ليقول: مالنا وهؤلاء، لقد ذهبوا الى دور حقهم، لنتحدث عن ما نحن فيه من آلام ومواجع. أما يكفينا ما نعاني منه. ولأنك الغريب الوحيد في المجلس هذا، وفي كل مجلس، ستظل تستعيد سؤالك القديم : اين موقع الثقافة في ذلك ، وما الحل ؟
ولأن الماضي تركةٌ ثقيلة، لا بل ولأننا ماضويون، (حدَّ اللعنة)، بتعبير علي الوردي فقد بلغ بنا الحال أن كل مجلس ينعقد لمثقفين، وفي أي مكان من مدننا، داخل عراقنا وخارجه أيضاً فأن التأريخ والدين بالذات يتسيّد المجلس ذاك، يبدؤون بحديث عن حليّة وتحريم الخمر، فيستل هذا آية، ويجيء ذاك بحديث، وينقلب آخر مفتشا في كتب الفقه والسيرة عن ما يبيح له الشرب أو يحرمه، وهكذا، حتى إذا تمكنت الكؤوس من أصحابها ينحرف الحديث الى احقية فلان وبطلان فلان وإلى تفضيل هذا على ذاك، فيرتعد هذا غضباً ويزبد ذاك شتيمة وقذعا. أما إذا ما بحثنا عن محمدة واحدة في مجلس كهذا، أو أي مجلس فلن نعثر على اكثر من ترديد وتكرار ساذج لأغنية واحدة هي (جذاب دولبني الوكت من فركتك جذاب). التي غالبا ما ينفضُّ عندها المجلس. وهكذا ينقضي الليل، ويبلغ الصحب بغيتهم لكنك تسأل السؤال التقليدي: أين الثقافة من ذاك؟ وما الحل ؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ابو اثير

    سيدي الكريم ...هذه نتاج زمن حقبة الأحزاب ألأسلاموية التي أطبقت علينا رغما عنا وهي من نتائجها السيئة والقادم أسخف وأقذر .

  2. ابو اثير

    سيدي الكريم ...هذه نتاج زمن حقبة الأحزاب ألأسلاموية التي أطبقت علينا رغما عنا وهي من نتائجها السيئة والقادم أسخف وأقذر .

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram