في أول انتخابات تشريعية عرف العراقيون الصمت الانتخابي، وهو يستمر يوما كاملا ، تحظر فيه أشكال الدعاية لجميع القوائم الصغيرة والكبيرة ، وبانتهاء هذا النوع من الصمت الديمقراطي ولحين الوصول الى موعد إعلان النتائج ، تتعالى الأصوات والتصريحات وتبادل الاتهامات وهي تدور حول حصول حالات تزوير ، والتشكيك باداء المفوضية المشرفة على إجراء العملية الانتخابية ، وفي احدى الدورات ، وإرضاء لقائمة كبيرة ولتفادي اندلاع حرب بين زعماء القوائم المتنافسة ، اعتمدت عملية الفرز اليدوي للأصوات مع فرض رقابة على "وزانها " خشية ضياع الحساب ، فتدخل العملية السياسية في نفق مظلم ، وتندحر الديمقراطية ، ولكن بجهود وتدخل خارجي من اصحاب العصا الغليظة رضخ القادة السياسيون للأمر الواقع ، وتقاسموا المواقع والمناصب بالوفاق والتوافق والتوفيق ، وعلى بركة الله تحركت المسيرة ، بالدفعات والدعاء وهمة النشامى وسواعد الزلم الخشنة.
الاطراف المشاركة في الحكومات السابقة لم تقتنع بما حققته من مكاسب حزبية وفئوية وكتلوية وشخصية ، وفي مرحلة "طيحان الحظ العراقي" على حد تعبير المحبطين من نسخة العراق الديمقراطية ، تصاعدت لهجة تبادل الاتهامات الى مستويات جعلت دول الجوار تصطف الى هذا الطرف ضد الاخر ، وأخذت الأزمة بعدا إقليميا ، يرافقها سوء الأداء الحكومي ، واستشراء الفساد ، وقضاء منبطح للسلطة التنفيذية ، وتدهور امني خطير كانت نتائجه خضوع ثلث مساحة البلاد لسيطرة جماعات باتت تهدد الامن الاقليمي والدولي .
الحكومة الحالية تبنت وثيقة الاصلاح كجزء من برنامجها السياسي ، وتم الاتفاق على تحديد سقف زمني لتطبيق بنود الوثيقة ، وحتى الان يبدو الفريق الحكومي منسجما ، وخطوات العبادي الاصلاحية تحظى بتاييد الشركاء والحلفاء فضلا عن الشارع العراقي ، ولكن هناك مخاوف من ان يغرد مسؤول كبير او امين عام حزب، خارج السرب و"يخربط الغزل" والاحتمال وارد جدا ، فعراق الحضارات كما ورد في كتب التاريخ والجغرافية والرحالة ونبوءات العرافين وخبراء معرفة الابراج واستشراف المستقبل وقراء الكف يرجحون اندلاع ازمة عميقة ، لن تسلم منها حتى الفرقة الناجية ، والدليل على ذلك استمرا ر بعض قادة القوى والاحزاب والتنظيمات السياسية على منهج اقتناص الفرصة المناسبة لتصدر المشهد ، وخطورة هؤلاء تكمن في استخدامهم اعضاء في مجلس النواب اعتادوا قراءة بيانات سياسية عبر شاشات الفضائيات تحذر من منح اقليم كردستان المزيد من نفط العراق ، وتسليح عشائر الانبار وصلاح الدين ونينوى لمحاربة داعش، وحرمان الشيعة بوصفهم الاغلبية من حقهم بحكم الاقلية طبقا للقواعد الديمقراطية ، وبعد الانتهاء من قراءة البيان ينتقل النائب الى فقرة العزف على الوتر المذهبي والطائفي بمقام الجهاركاه ثم غناء البستة الشهيرة "شالو ما بعد نلكاهم " وعلى غرار الصمت الانتخابي ولضمان نجاح تطبيق وثيقة الاصلاح وللحفاظ على انسجام الفريق الحكومي من الضروري بلورة موقف موحد يفرض على السياسيين واعضاء مجلس النواب، الالتزام بالصمت السياسي لحين تحقيق الانتصار الناجز وفقكم الله.