لايمكن لنا نتوقع أن أفلام السيرة الشخصية يمكن لها ان تحيط بكامل تفاصيل سيرة الأشخاص، بحيث تتطابق مع ما تحتفظ به من معلومات عنها .. فالفيلم لايمكن له ان يخضع بالكامل لشروط الوثيقة الصارمة (قصة او شهادة موثقة)، لأنه بذلك سيفقد صدقيته الفنية إن صح التعبير. لكن الوثيقة تبقى رغم ذلك الصلصال الذي يحفر فيه إزميل المخرج ما يريد.
وفيلم "نظرية كل شيء" لمخرجه (جيمس مارش ) هو من الأفلام التي لا يتوقع ان تفي حق شخصية مثل شخصية (العالم ستيفن هوكينغ) ما يتعلق بتناول مسهب عن حياتها المكتنزة بالتحولات الكبيرة والإنجازات العبقرية .. على الرغم من ان حياة هوكينغ لمن خبرها مكتملة درامياً حد التشويق .. وهي بذلك مكتفية بذاتها وليست بذي حاجة لرسم خلفيات تدعم هذه السيرة.
الفيلم وابتداءً من الإعلان الدعائي له على مواقع التواصل الاجتماعي الذي حقق بدوره نسب مشاهدة عالية، وليس انتهاءً باستحواذه على الجوائز في المهرجانات السينمائية التي شارك فيها .. حظي بقبول نقدي واسع جعله احد اهم أفلام هذا الموسم.
وستيفن هوكينغ: هو اكبر عالم حي، متخصص في الفيزياء النظرية .. وأهميته في هذا المجال بأهمية سابقيه نيوتن واينشتاين، له أبحاث في علم الكون والثقوب السوداء والكون المغلق الذي لا تحده حدود . أصيب وهو في العشرين من العمر بمرض (داء العصبون الحركي) المميت وتوقع الأطباء ان لايعيش لأكثر من عامين لكنه عاش بعد ذلك اكثر من خمسة عقود ازدحمت بالمعرفة والانجازات العلمية، وايضاً بنضال مستميت ضد المرض.
و فيلم "نظرية كل شيء" الذاهب بقوة الى جوائز الأوسكار ينتمي إلى أفلام السيرة الذاتية التي تتناول حياة أعظم عقل إنساني لا يزال على قيد الحياة، عالم الفيزياء الفلكية ستيفن هوكينغ، وقصة عشقه لطالبة كمبريدج جين وايلد. وعنوان الفيلم يستعير ما يعرف في الفيزياء الحالية السائدة, (نظرية كل شيء) وهي محاولة لتوحيد القوى الأساسية الأربعة الموجودة في الطبيعة: الثقالة, و القوة النووية القوية, و القوة النووية الضعيفة, و القوة الكهرومغناطيسية.
الفيلم مقتبس من المذكرات التي كتبتها زوجة هوكينج الأولى (جين وايلد) بعنوان: «السفر إلى اللانهاية.. حياتي مع ستيفن». والتي تناولت فيها مسيرتها مع هوكينغ الذي واجهت معه مأساة عوقه وفتوحاته العلمية التي وضعته في مصاف اهم عقل إنساني حي على الإطلاق.
والفيلم مثلما لا يعمد الى الإسهاب في تناول حياة هذه الشخصية الفذة، هو ايضاً غير معني بشرح نظريات هوكينغ في الفيزياء النظرية، وهو الجانب الذي اشتغل عليه قبلاً وثائقي تناول منجز هوكينغ العلمي.
الفيلم يتناول سيرة هوكينغ من زاوية نظر زوجته جين وايلد، وهي زاوية لا تنأى كثيراً عن شرح سيرته العلمية والحياتية، لكنها في الوقت نفسه تقدم لنا الجهد المتفاني لهذه المرأة في الأخذ بيد هذا العالم الكبير والتي بدونها لا تكتمل استثنائية حياة هوكينغ.
اللقطات الاولى للفيلم ،التي نرى فيها هوكينغ وهو يتحرك بعربته بشكل دائري وكذلك دوران عجلة دراجته التي تحتل الكادر، .. تشير نوعاً ما الى حياته، او لنقل ، الى نظريته في اللانهاية .. وسرعان ما تأخذنا هذه اللقطة للدخول الى أحداث الفيلم حيث بداية العلاقة بين هوكينغ ووايلد .. لتُخلق قصة حب واقعية نسجت بإتقان يصل فيها الواقع الى حد الخيال.
سيناريو محكم، أعطى الشخصيات المساحة التي تستحق، مثلما اعتنى ببناء الحدث. مجموعة من المشاهد أسهمت في ان يكون للسيناريو الدور الكبير في جمالية الفيلم .. الاعتناء بالتفاصيل هو الذي يجعلنا نقف عند حدود الشخصيات المكتنزة السابقة .. مشهد إصرار وايلد على الوقوف مع هوكينغ رغم محنة مرضه، انفعالها على الأطباء عندما قرروا ان نهايته قريبة .. لحظة الاستعداد لتكريمه من قبل الملكة .. ثم الاستعراض في إشهار العواطف وكتمها في اطار حلقة الشخصيات، وهي تتبارى جميعها باستعراض مهاراتها الادائية التي بلغت حد الإعجاز خاصة مع دور هوكينغ الذي جسده (ايدي ريدماين) والذي ستحتفظ له السينما بكونه احد اهم الأدوار في تاريخها.
نظرية كل شيء - 1 -
نشر في: 21 يناير, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/almada-ad.jpeg)
![](https://almadapaper.net/wp-content/uploads/2024/01/Almada-logo.png)