عجيب غريب أمر الكرة العراقية التي لا تماثلها أية كرة في العالم طوال العقود الماضية في نواحٍ كثيرة، لا ملاعبها تليق بأدنى فرق تنافس على الدرجة الثالثة في أضعف مسابقة في المنطقة، ولا دوريها يشجع على توفير المتطلبات اللازمة لإنجاح تجربة الاحتراف البدائي، ولا لاعبيها ينعمون برخاء وهدوء نفسي أسوة ببقية الخلق، ولا إدارات الاندية تعي دورها الخطير في تنشِئة جيل جديد يسترد عافية اللعبة حينما تمرَض، أما وليّ أمرها الاتحاد، لعمري لم أرَ أباً يستلذ بجراح أسرته ويلعق دموعها كالشهد ويعتاش على انقسامها وتناحرها ولا يهنأ له بال إلاّ بالتنزه في اصقاع الارض غير آبه لمحنتها وشكواها!
أبعد هذه الحقيقة الموجعة، هل بينكم من يُصدِّق أن اللعبة تمضي بسلام وتخطيط ورؤية، وما تحقق لمنتخبنا الوطني من إعجاز في تأهله الى دور الثمانية غداً الجمعة؟ هنا لابد ان نفرّق ما بين جهد الفرد والجماعة، والفرد يتمثل بشخص المدرب راضي شنيشل ومساعديه واللاعبين بمعنى الطاقة الذاتية لكل واحد منهم سَمَتْ فوق المستحيل وقبلت خوض مهمة مجنونة بكل ارهاصاتها بدءاً من إقالة المدرب السابق حكيم شاكر في وقت حرج وموافقة خلفه شنيشل على تسنم المهمة الوطنية بلا تردد أو خشية من عواقبها لاسيما إنه ملتزم بعقد احترافي يأخذ بنظر الحسبان أداءه ونتائجه معياراً للتقييم والمراجعة في حالة تجدد الرغبة بالتعاقد معه، فضلاً عن التوليفة المتضاربة في المستوى والثقافة الكروية للاعبين الذين وجدوا انفسهم تحت نيران انتقادات من مختلف الاتجاهات لم تهزهم، بل زادتهم قوة في الرد على ارض الواقع وأهدوا الجمهور بطاقة التشريف بحضور موقعة الدور ربع النهائي.
يبقى كل ما تصنعه الكرة العراقية في هذه الحقبة يمثل اعجازاً قلّ نظيره في العالم، وهذا أمر لا شك فيه إلا من يتوهم ويعد ذلك نتاج منظومة فنية متكاملة مرتبطة بتحضيرات ادارية ولجان فاعلة تصب في مصلحة المنتخبات الوطنية، أبداً هذه (الفرية) التي يحاول البعض دسّها في تحليلات لا تنم عن صواب افكارهم، وهم البلاء الأكبر فيما يواجهه منتخبنا الوطني منذ سنين عدة من قرارات ارتجالية تصدر عن اشخاص فقد الشارع الرياضي الثقة بهم بعدما أوهموه بحسن نيات اعمالهم وإذا بهم اول المستفيدين من أية رحلة حتى لو كانوا سياحاً فيها تتسابق اقدامهم لاستكشاف الآثار والمنتجعات واحتساء...هموم الزمن الأغبر!
ربما يستشف القارئ ان هناك تشاؤماً في رؤية مصير المنتخب الوطني وهو يستعد للقاء منتخب ايران العائد بقوة لاحتلال منصة التتويج، كلا لم نزل متفائلين أن الانسان البسيط الذي يصنع الفخار الجميل من الطين قادر على صناعة النصر من ركام اليأس، وهؤلاء اسودنا الابطال لم يخب ظننا فيهم، بدءاً بقائدهم السفاح وهو يكافح تقدمه بالسن بمزيد من العطاء فوق طاقته ليؤكد أن دعوته لسيدني لم تكن ترفيّة لزيادة رصيده الدولي، بل لمساندة زملائه الذين يبقون بحاجة الى التحرر من دورهم الاحتياطي في ظل حركته المقيدة بين المدافعين، ومروراً بالملاك التدريبي المتعاون والمتماسك في اصعب الظروف التي واجهها المنتخب، وانتهاءً بالبعثة الموفدة عن اتحاد الصحافة الرياضية التي تحمّل مسؤوليتها الزميل علي النعيمي بعد ظروف قاهرة أخّرت وصوله بالموعد المناسب لولا الجهود التي بذلها رئيس اتحاد الصحافة الرياضية الزميل خالد جاسم بالتنسيق مع رئيس اتحاد كرة القدم عبدالخالق مسعود التي ترجمت الى مبادرة طيبة من الأخير عبر صحيفة (المدى) قبيل انسحاب الزميل خليل جليل من مهمته لأسباب ادارية أوجزها بعموده السبت الماضي في الصحيفة ذاتها ونأمل أن تؤخذ كدرس للجميع في المستقبل.
إن مجالس المحللين العرب اليوم تتطلع أن يعيد ابناء الرافدين الاعتبار للمنتخبات العربية المغادرة بخفي حنين مُراهنين على بأسهم في التحديات لضرب الاحلام الايرانية وافشال سعي كيروش لإقامة (بروفة) أولية يستعرض فيها اطماعه لنيل اللقب لاسيما بعد ان درس شنيشل الفوارق البدنية والمهارية بين المنتخبين في جميع المراكز، وستكون له نظره مختلفة لأسوده لاختيار الصالح بينهم وتنفيذ اسلوب مباغت يربك حسابات البرتغالي العنيد ويمنعه من استرداد الثقة بتعديل النتيجة التي نتمنى حسمها في الشوط الاول، وبعدها لن يكون الطريق وعراً نحو النهائي التاريخي بمشيئة الله تعالى.
إعجاز كرة الرافدين!
[post-views]
نشر في: 21 يناير, 2015: 09:01 م