اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > اقتصاد > رأي: أزمة المصارف العراقية الخاصة

رأي: أزمة المصارف العراقية الخاصة

نشر في: 21 يناير, 2015: 09:01 م

تمرّ المصارف العراقية الخاصة بأزمة شديدة الخطورة على مستقبلها، فقد وجهت محكمة النزاهة تهمة غسيل الأموال إلى الغالبية العظمى من هذه المصارف وطالبت بمحاكمتها ممثلة برؤساء مجالس إدارتها ومدرائها المفوضين، مع أن رؤساء المجالس لا صلاحيات تنفيذية لهم ولا ع

تمرّ المصارف العراقية الخاصة بأزمة شديدة الخطورة على مستقبلها، فقد وجهت محكمة النزاهة تهمة غسيل الأموال إلى الغالبية العظمى من هذه المصارف وطالبت بمحاكمتها ممثلة برؤساء مجالس إدارتها ومدرائها المفوضين، مع أن رؤساء المجالس لا صلاحيات تنفيذية لهم ولا علاقة لهم بالعمل اليومي للمصرف، وبحسب توجيهات البنك المركزي لا مكاتب لهم في مقرات المصارف.

 
إن المشكلة تتعلّق بالسياسة التي يتبعها البنك المركزي العراقي في مزاد بيع العملة الأجنبية لتمويل الراغبين باستيراد البضائع المختلفة للأسواق العراقية عن طريق تحويل قيمة تلك البضائع إلى المجهزين بصورة مباشرة والدفع النقدي المسبق وليس عن طريق فتح الاعتمادات المستندية التي تعمل بها كل المصارف في العالم وكانت متبعة في العراق أيضاً.
الدعاوى مقامة أمام المحكمة على اساس أن المستورد حول المبالغ المخصصة له لاستيراد البضائع لم تستخدم لهذا الغرض او لم تستورد لقاءها البضاعة فعلاً، وان التصريحة الكمركية التي قدمها المستورد لإثبات دخول البضاعة الى العراق غير صحيحة، ولذلك فان المصرف هو من يعتبر المسؤول عن هذا التصرف الصادر من المستورد دون ان يكون للمصرف أي دور فيه.
ان عملية الاستيراد عن طريق الحوالة وفق ما ورد أعلاه تتم بموجب الخطوات التالية:-
1-يقدم المستورد قائمة تجهيز Rroforma Invoice صادرة من المجهز في بلد المنشأ او المصدر سواء كان مصنعاً ام شركة تصدير. هذه القائمة تصدق من قبل غرفة التجارة المحلية في بلد المنشأ او البلد المصدر ومن قبل الملحق التجاري في ذلك البلد، ومن الواضح ان أي مصرف في العالم لا يمكنه التحقق من كون هذه القوائم والتصديقات عليها هي صحيحة أو مزورة.
2-يقدم المصرف العراقي هذه القوائم الواردة اليه من زبونه المستورد الى البنك المركزي طالباً تخصيص المبالغ الواردة فيها لاستيراد البضاعة بموجبها فيقوم البنك المركزي العراقي بدراسة الطلب ومرفقاته ويصدر قراره بالموافقة على تمويل الاستيراد بالمبالغ المطلوبة بالعملة الاجنبية، او رفض الطلب أو تأجيله في ضوء القناعة التي تتوفر لديه من دراسته للوثائق المقدمة اليه.
3-في حال موافقة البنك المركزي يدفع المستورد بالدينار العراقي الى المصرف الذي يتعامل معه ما يعادل المبلغ الذي خصصه له البنك المركزي ويقوم المصرف بدوره بدفع المبلغ بالدينار الى البنك لقاء المبلغ المخصص بالعملة الأجنبية، ويقوم المصرف بعد ذلك بتحويل العملة الأجنبية الى الجهة التي ستجهز البضاعة المطلوب استيرادها.
4- يقوم المستورد بعد وصول البضاعة الى العراق ودفع الرسوم الكمركية عنها، بتقديم من التصريحة الكمركية الى المصرف الذي يقوم بدوره بارسالها الى البنك المركزي. من المؤكد ان ليس لدى المصرف العراقي، أو أي مصرف آخر، القدرة على التحقق من كون التصريحة الكمركية صحيحة ام غير صحيحة، ولم يكن ذلك من مهامه في أي وقت من الاوقات، اما وقد فرضت الظروف الحالية في العراق اتباع اسلوب طلب (صحة صدور) أية وثيقة من الجهة التي اصدرتها فبإمكان البنك المركزي اتباع هذا الاسلوب كما في الكثير من الحالات.
تكرر هنا حقيقة عدم استطاعة أي مصرف ان يجزم بصحة توقيع الملحق التجاري العراقي أو بصحة صدور التصريحة الكمركية، لانه ليست من مسؤوليته، وبذات الوقت ليست لديه الوسيلة للقيام بذلك، فاذا كان هناك سوء تصرف من أية جهة فلا يصح ان يكون المصرف كبش الفداء بسبب تصرف سيئ يمثل احد اوجه الفساد في بعض الدوائر. وهنا نتساءل لماذا لا يلاحق من اساء التصرف من موظفي الحكومة ذوي العلاقة الذي يثبت سوء تصرفه، ولماذا لايلاحق المستور نفسه اذا كان متواطئاً في هذه الحالة.
ان المصارف مؤسسات تتعامل بالمستندات فقط والتي تبدو في ظاهرها سليمة وليس من واجباتها التأكد من دخول البضاعة الى البلد أو مطابقتها لما ورد عنها في القوائم المقدمة. نتساءل هنا ايضاً هل المطلوب من المصارف تعيين مراقبين على المنافذ الكمركية في العراق للتأكد من دخول البضاعة الى البلد؟ وهل المطلوب ان يكون ممثل المصرف حاضراً عند وصول البضاعة بعد دفع الرسوم الكمركية عنها الى مخازن المستورد؟ هذه امور لا تتعلق بواجبات المصارف وكيفية القيام بأعمالها، ولاشك ان هناك فهماً خاطئاً لواجبات المصارف.
هنا يجدر بنا ان نشير الى الفقرتين 14 و 34 من الاصول والاعراف الموحدة للاعتمادات المستندية UCP600 الصادرة من غرفة التجارة الدولية والمعتمدة عالمياً تنصان على عدم مسؤولية المصارف عن الوثائق التي تقدم اليها وتبدو في ظاهرها سليمة وإنها تتعامل مع مستندات وليس غيرها. ان الطريقة الوحيدة التي يستطيع بها البنك المركزي التأكد من وصول البضاعة الى العراق هي الغاء نظام الحوالات المتبع حالياً وحصر الاستيراد في اسلوب الاعتمادات المستندية المصرفية اولاً، ثم وضع شروط لفتح الاعتماد ان يجري الكشف على البضاعة المستوردة قبل شحنها والتأكد من مطابقتها لشروط الاعتماد من قبل إحدى المؤسسات المختصة والموثوق منها مؤسسة لويدز البريطانية وشركة SGS السويسرية، وختم مستندات الشحن من قبل الكاشف بتأييد مطابقة البضاعة لشروط الاعتماد المصرفي وعلى مسؤوليتها.
اعود الان الى تهمة غسيل الاموال وتبييضها فأقول ان هذا الوصف يتعلق بتدقيق المبالغ النقدية التي تفوق الحد المحدد من قبل البنك المركزي، اذ على المصرف في هذه الحالة معرفة مصادر الاموال وفقاً للتعليمات والقواعد الدولية وقانون مكافحة غسيل الاموال رقم 93 لسنة 2004. اما المبالغ التي تدفع عن طريق الصكوك والحوالات المصرفية والتحويلات عن طريق نظام RTGS فلا يمكن ان تكون جزءاً من تهمة غسيل الاموال اذ يفترض ان يكون المصرف ذو العلاقة بالعملية قد توثق من نظافة وسلامة مصدر المال واتباع قاعدة (اعرف زبونك) وكذلك معرفة اوجه استخدامها.
ولقد لاحظت ان الجهات الرسمية لا تميز بين جريمة غسيل الاموال وجريمة تهريبها، اذ ان الاخيرة تحتاج الى اعادة الدراسة والتفسير في ضوء الواقع الجديد في العراق وحرية التحويل الخارجي بعد صدور تعليمات البنك المركزي في سنة 2008 بالغاء تعليمات التحويل الخارجي والدائرة المختصة بها، والاكتفاء بتطبيق احكام قانون مكافحة غسيل الاموال رقم 93 لسنة 2004.
اذا كان المستورد قد دفع بدل العملة الأجنبية التي حصل عليها من البنك المركزي العراقي بأموال نظيفة، كأن يتم الدفع بصكوك او تسجيلها على حسابه المصرفي فليس هناك غسيل اموال، اما اذا لم يقم المستورد باستيراد البضاعة فعلاً فانه يكون في هذه الحالة قد اقترف جريمة تهريب اموال ويكون هو المسؤول عن سوء التصرف هذا ولا يكون المصرف متهماً بها بأي شكل من الاشكال. اظن ان الفرق واضح بين هاتين المخالفتين وهذا هو جوهر الموضوع.
ويلاحظ ايضاً ان البنك المركزي لم يطلب حتى الان (صحة صدور) التصريحات الكمركية رغم ان بعض المصارف المتهمة قد طالبته بذلك لدفع التهمة عنها وقد تعهد المستوردون المعنيون باستحصال (صحة الصدور) اذ زودوه بطلب رسمي من البنك المركزي او اي جهة معينة اخرى.
اخيراً اود ان اضيف ان العراق هو الدولة الوحيدة التي تمول الاستيرادات عن طريق الحوالات النقدية في حين تتبع الدول الاخرى أسلوب الاعتمادات المستندية، واذا كان هناك أي مبرر مقبول بسبب الظروف الاستثنائية التي مر بها البلد للعمل بهذه (البدعة) في الاستيراد فقد آن الوقت لوضع حد لها والعودة الى الاسلوب العالمي السليم في تمويل الاستيرادات، وتمكين المصارف الخاصة من القيام بدورها المنشود في الاسهام في تنمية اقتصاد العراق وتطوير العمل المصرفي الى المراحل المتقدمة التي بلغتها الصناعة المصرفية في العالم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

النفط: العراق ملتزم كلياً باتفاق أوبك الخاص بالتخفيضات الطوعية
اقتصاد

النفط: العراق ملتزم كلياً باتفاق أوبك الخاص بالتخفيضات الطوعية

بغداد/ المدى اعلنت وزارة النفط، اليوم السبت، التزام العراق باتفاق أوبك وبالتخفيضات الطوعية. وذكرت الوزارة في بيان تلقته (المدى)، أنه "إشارة إلى تقديرات المصادر الثانوية حول زيبادة انتاج العراق عن الحصة المقررة في اتفاق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram