لا أتذكر اسم الشاعر الذي قبل ان يموت أوصى ولده بوصية مكتوبة وصارمة ان لا يفكر يوما بأن يصبح شاعرا حتى يعيش ويموت بهدوء. كثير من الناس يحسد الشاعر. على شنو؟ ما أدري. في الأيام التي أغدق بها صدام على الشعراء الشعبيين بالمال والمسدسات والسيارات والبيوت كنت أجد حسد الناس لهم، او حقدهم عليهم، مبررا. لكن عدا ذلك ما قرأت عن شاعر من الحاج زاير الى الرصافي وغيرهما كثيرون الا وحزنت على حالهم. كان جبار الغزي يتلوى من الجوع ويصارع حر العراق وبرده بلا سقف يأويه، والمطربون الذين غنوا ما كتبه يعيشون بنعيم. مع هذا كان البعض يحسده ولا احد منهم يذكر مطربا بحسد.
ذات ظهيرة حارة في احد بارات أبو نؤاس، التفت صوب جبار مقاول يقيم كل ظهر في ذلك البار ليقول له: أحسدك على "غريبة الروح". كان جبار لحظتها في اشد حالاته عوزا فنهض صارخا: و لك على شنو تحسدني؟ هوّه شنو اللي ظل بيه حتى تحسدني عليه؟ انت اعمى لو تشوف؟
سكت المقاول مستغربا. ربما كان يتوقع انه بتلك الكلمة سيسعد جبار. لكن شاعرنا ظل يهدأ تارة ويثور في أخرى وهو يتحدث الى نفسه الى ان مزق قميصه من الغضب. عندها التفت صوب الحاسد: رضيت هو بس هذا القميص وشككته من وراك. من يومها ترك جبار ذلك البار ولم يعد اليه.
تذكرت قميص جبار وودت ان اشق قميصي مثله حين فاجأني عراقي قبل أيام في أحد البارات المصرية ليقول لي: شكو عليك يومية تكتب عمود! العراقي هذا مقاول أيضا ليس في البناء حسب بل وبأشياء أخرى علمها عند الله. يصفه ربعه انه يلعب بالفلوس لعب. قلت له يبدو انك تحسدني. لم يجب. زين على شنو تحسدني "استاد"؟ تبرع القوم بالرد نيابة عنه. هذا يقول انك فهمت أبا فلان غلط. وذاك يقول انه قصد امتداحك. آخر، يحسب نفسه على أهل الثقافة، ظل يبرر قول حاسدي ليعطيه بعدا فلسفيا وربما جغرافيا أيضا. لا أدري سر مجاملة الربع للزناكين خاصة "الدفّاعة" منهم.
قلت له: بصراحة انت اللي شكو عليك مو آني. ليش؟ اما ترى هؤلاء المعجبين بك كيف يدافعون عنك لحد أنك حتى لو "تنحنحت" سيقولون لك الله .. الله، أو أعد رحم الله والديك؟ شتقصد؟ اجبته مبتسما: لا شيء، لكن فقط أدعو الله ان يجعلك كاتب عمود يومي مثلي لأسمع ردك حين أقول لك: شكو عليك!
شـكو عليـك!
[post-views]
نشر في: 23 يناير, 2015: 09:01 م