وصفه بالحمار أمام كل الناس ..لم يتمكن سائق السيارة الصغيرة ان يرد على حماية المسؤول المختبئ خلف النوافذ المظللة لسيارته الفارهة ...مازلت اذكر نظرة الرجل التي تفوق بها على ابرع الفنانين السينمائيين فقد كانت صادقة جمعت عدة تعابير في وقت واحد..كانفيها الغضب والألم والرفض والخجل من الموجودين وأولهم ابنه الصغير الذي يرافقه في السيارة ..
علمتنا الحكايات القديمة ان نرى في آبائنا امثلة عليا ونتوقع منهم ان يقاتلوا ( الطنطل ) و( السعلوة ) لينقذونا منها ..لا يوجد أب متخاذل في قصص الأجداد ولا يوجد طفل يحاصره الخوف مادام والده موجودا لكن واقعنا يختلف كثيرا عن حكاياتنا القديمة اذ صار يمكن ان يرى الطفل والده امامه عاجزا عن مقارعة الكبار ورموز السلطة مهما كانت درجاتهم ورتبهم فهم قادرون على إذلاله أمام أسرته وربما تغييبه وراء الشمس الى اشعار آخر .. صار على الطفل ان يتقبل اهانة والده امامه وان يدرك انه بلا حماية حقيقية مادام والده عاجزا عن مواجهة الكبار ومادام الكبار أنفسهم لا يعبأون بمشاعره وإحباطه وهو يرى والده سجين خوفه منهم ..انهم ينتجون جيلا خائفا ومرتعبا من رموز السلطة دون ان يشعروا بذلك او ربما يسعون الى ذلك فقتل القطة امام العروس في ليلة دخلتها يقمع كل نية لها بالعصيان ويضمن خوفها من زوجها وولائها الابدي له، واهانة المواطن تضمن سيره الى جانب الجدران والخوف من ظله خشية ان يكون لمخبر سري يلاحقه ..
ربما تحدثنا كثيرا عن خوف المواطن من السلطة وابتعاد المسؤول عن الإحساس بالمواطن البسيط مادام يترك التعامل معه لحمايته المولعين بأفلام الأكشن او القادمين من مناطق نائية ولا يربطهم بالعاصمة شيء عدا قرابتهم للمسؤول لذا فهم حريصون على إحاطة أنفسهم بهالة مفزعة ليضمنوا احترام الآخرين وخشيتهم منهم ...نريد ان نتحدث اليوم عن تلك الألفاظ النابية والمهينة التي تندلق من افواه بعض رموز السلطة لاهانة المواطنين بينما بإمكانهم استخدام سلطتهم ذاتها لمحاسبتهم في حالة تقصيرهم باستخدام القانون الذي لا يعترف به المسؤولون في بلادنا او يستخدمونه بما ينفع مآربهم الخاصة ..
سمعت مؤخرا عن استاذ جامعي ( مسنود ) يطلق على طلبته لفظ ( ابناء شوارع ) ويهينهم بأبشع الألفاظ أمام زميلاتهم ليفرض هيبته عليهم فهم يتجنبون اثارة غضبه فيحضرون محاضراته ويطالعون مادته ليس حبا فيها بل خوفا من الاهانة ..القضية كبيرة اذن حين تصل الى الحرم الجامعي والمدارس بالتاكيد فقد تحول ( التخويف ) بالسلطة الى ثقافة مجتمع بات الصغار فيه يجيدون السير قرب الجدران لحفظ ماء وجههم وحياتهم بينما يزهو الكبار باستخدام (الارهاب ) الكلامي والسلوكي لادامة تسلطهم وليس سلطتهم ..
اعتب على اجدادنا الذين عبئوا ذاكرتنا بقصصهم عن بطولات الآباء ورفضهم الظلم والقهر.. ربما كانوا على حق لكن (طناطل ) و(سعلوات ) ذلك الزمن كانت تعلن صراحة عن نيتها بالقتل والتهام الناس ولا تختبئ خلف الزجاج المظلل وطوابير من الحمايات لتنشر الفزع بين الناس بينما تبيع ابتساماتها مجانا لوسائل الإعلام وهي تعد المواطن بالخير الوفير ..
انه نوع جديد من (الإرهاب ) لا علاقة له بالدين او العنف بل بأسلوب استخدام رموز لسلطة لتخويف المواطن... وترويضه لضمان ولائه لها..
طناطل وسعلوات... اليوم
[post-views]
نشر في: 23 يناير, 2015: 09:01 م