اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > البالات تعود من جديد

البالات تعود من جديد

نشر في: 25 يناير, 2015: 09:01 م

لم يخطر على بال البائع الجوال أبو سجاد( 56) عاما، والذي يعيل عائلة، تتكون من تسعة أشخاص، أن حلول موسم الشتاء مشكلة كبيرة، لكثـرة الطلبات،التي تبدأ بتوفير وسائل التدفئة، النفط والغاز،  ولا تنتهي بكسوة الشتاء وشراء الملابس لأولاده  الأربعة، ا

لم يخطر على بال البائع الجوال أبو سجاد( 56) عاما، والذي يعيل عائلة، تتكون من تسعة أشخاص، أن حلول موسم الشتاء مشكلة كبيرة، لكثـرة الطلبات،التي تبدأ بتوفير وسائل التدفئة، النفط والغاز،  ولا تنتهي بكسوة الشتاء وشراء الملابس لأولاده  الأربعة، الطلاب في مراحل الدراسة المتوسطة والإعدادية. الأمر الذي يتطلب منه توفير مبلغ 500 الف دينار او  يزيد، ما يشكل عبئا آخر على ابي سجاد الذي يعاني في ذات الوقت، من تلكؤ العمل، وقلة الواردات. وبالنتيجة لم يكن أمامه سوى العمل بنصيحة جاره التي نصت على التوجه الى أسواق "البالات"، عسى ان يجد مراده ومراد أولاده في ملابس تقيهم برد الشتاء. (المدى) ومن خلال تجوالها في عدد من الأسواق الخاصة بتجارة الملابس المستعملة "البالات" سجلت انطباعات وآراء المواطنين الذين يرتادون هذه الأسواق التي ازدهرت أيام الجوع والحصار التسعيني وكنا نأمل في اختفائها بعد التغيير النيساني عام 2003 لكنها عاودت الازدهار في ظل غياب النظام الاقتصادي للدولة الجديدة. 
 
الرقابة الصحية: المواد الداخلة تعمل وفق القانون
مدير الرقابة الصحية في وزارة الصحة، د. حسن مسلم بيّن (للمدى) أن ظاهرة بيع وتجارة "البالات"، موجودة منذ فترة طويلة في البلاد، وتعمل وفق القانون 70 من قوانين الصحة العامة، والذي يتطلب من التاجر او البائع تقديم وثيقة صحية صادرة من البلد المصدر، تتضمن تعقيم وسلامة الملابس من الأمراض، مع أهمية مصادقة الملحقية الصحية في سفارتنا العاملة في البلد الذي يتم الاستيراد منه.
اخذ عينات لغرض إجراء الفحص
كما أوضح د.حسن أن الفرق الصحية تقوم وبشكل دوري بأخذ عينات عشوائية من تلك الملابس، وإخضاعها لفحص مختبري لتأكيد سلامتها من الأمراض والجراثيم، مع متابعة أماكن الخزن وملاءمتها للوضع الصحي. وقال مبينا، إن العديد من الدول المصدرة تقوم بالإجراءات الصحية كالتعفير والتعقيم وغسل الملابس، قبل تصديرها، حفاظا على سمعة تلك الدولة التي تجنى مردودا ماليا، لا يستهان به.. د. حسن نصح المواطنين بأهمية غسل وتعقيم تلك الملابس كإجراء وقائي آخر، كما نوه الى ان هذه الأسواق تعتبر منقذا للكثير من العوائل ذات الدخل المحدود.
انتعشت في مطلع التسعينات
البائع محمد كاظم (47) عاماً ذكر للمدى ان هذه التجارة غزت الأسواق العراقية منذ سنوات، ولأسباب عديدة، ولاقت تجاوبا من كثير من الشرائح الاجتماعية، خاصة أصحاب الدخل المحدود، لرخصها وجودة صناعتها التي تفوق بعض ما يتم استيراده من ملابس جديدة غير مستعملة. وأشار البائع الذي يعمل بمحل في ساحة الطيران إلى أن هناك ازدهارا وطلبا كبيرا، هذا العام على "البالات" ، الملابس المستعملة، مع انطلاق العام الدراسي وموسم الشتاء. 
فيما يرى المواطن مرتضى وهو صاحب محل في ساحة الطيران لبيع "البالات" أن الأسعار هنا مناسبة نوعا ما، لكافة المواطنين، ولو ارتفعت فسيكون بنسبة تصل في بعض الأحيان إلى اقل من الضعف، مقارنة للأسعار قبل شهرين أو حتى أسابيع، والأسباب عديدة منها تخوف التجار من إعادة فرض الرسوم الجمركية على البضاعة المستوردة، فضلا عن الارتفاع الملحوظ لأسعار بدل ايجار وبيع المحلات التجارية مع الارتفاع الحاصل ببقية مجالات الحياة.
الركود والسبات بعد عام 2003
أما تاجر الجملة ابو كرار فقال: في الفترة الماضية ازدهرت وانتعشت هذه التجارة خصوصا في فترة الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي، إذ ان الوضع الاقتصادي للمواطن انذاك وغلاء الملابس الجديدة، جعل من الملابس المستعملة "البالات" المنقذ او المخلص للناس في فترة اقتصادية قاسية على الشعب العراقي، الأمر الذي شجع الكثير من المستوردين على استيرادها من دول أوروبية مقابل تصدير الجلود والتمور بشكل خاص لتلك البلدان او مبادلتها. 
وأضاف ابو كرار: بعد عام التغيير 2003 حصل الركود والسبات بهذه التجارة، بسبب التحسن الذي طرأ على رواتب الموظفين، وفتح باب الاستيراد أمام التجار بدون رسوم جمركية. لكن بعد فترة عاد النشاط إلى سوق الملابس المستعملة الذي شهد حركة تبضع وشراء كبيرة خصوصا ايام المواسم الدراسية او مع فصل الشتاء والصيف، وقد وصل الأمر برواج هذا القطاع حتى في أيام الأعياد كالأضحى والفطر وما يرافقهما من ارتفاع بأسعار الملابس الجديدة. كما اشار إلى أن بعض الملابس الموجودة في سوق "البالات" هي ملابس جديدة وغير مستعملة، يتم استيرادها ضمن البالة، حيث يقوم التجار وأصحاب المحال بتجديد بضائع محلاتهم والتخلص من الملابس التي مر على صناعتها عام أو ظهور موديلات جديدة، ما يدفع الكثير من رواد محلات البالة للبحث عنها واقتنائها بغض النظر عن الموديل خاصة إن نوعيتها تكون ممتازة مقارنة بما موجود في الأسواق من بضائع وملابس جديدة.
بضائع نادرة وثمينة
البائع أبو زهراء بين أن تجارة البالات لها قوانين خاصة ولا يمكن التكهن بكمية ونوعية ما موجود فيها إلا من خلال المصدر نفسه أو أثناء فتح وفرز البالة، اذ يتم تحديدها وتصنيفها في مستويات عدة حسب نوعيتها وجودتها والحاجة اليها. وتتم عملية الفرز في بيوت خاصة، بعيدا عن محل العرض والبيع. وكثيراً ما يعثر على قطع ثمينة وعالية الجودة ونادرة جدا وربما لا مثيل لها في البالة، وهنا يتم تخصيصها لزبائن معينين من الميسورين الذين لا يهمهم ارتفاع السعر كثيرا بقدر ما يهمهم التفرد والتميز باقتناء حاجة نادرة او جملية مميزة سواء كانت ملابس او أحذية او كماليات وحتى بعض العاب الأطفال.
غطاء وستر لنا
أم مشتاق 53 عاماً تسكن منطقة الحسينية قالت للمدى: لا املك غير 100 الف دينار وهي لا تكفى لكسوة شخص واحد، فلم يكن أمامي غير التوجه الى سوق البالات وشراء ما يمكن شراؤه، وهذا السوق يعد غطاء وسترا لنا نحن الفقراء. لكن الأمر لا يخلو من الصعوبة ايضا، خاصة ان هذه الأسواق لا تتوفر في كل أحياء ومناطق بغداد، ويقتصر وجودها على مركز المدينة وبعض المناطق، ناهيك عن ارتفاع الأسعار خاصة مع بداية كل موسم دراسي.
إننا نشتري الأمراض
المواطن حسن موسى من مدينة الصدر ذكر أن سبب اللجوء إلى هذا السوق هو عدم القدرة على شراء الملابس الجديدة بموسم الشتاء خصوصاً في هذه المرحلة مع عدم إقرار الموازنة وتوقف اغلب الأعمال المرتبطة بها . وأشار ايضا الى أننا نشتري الأمراض من خلال اقتناء ولبس هذه الملابس بسبب محدودية الدخل، الأمر الذي يحتم علي التوجه الى هذا السوق، فما اجنيه من عملي لا يتجاوز 500 الف دينار ولك تصور كيف أقوم بتقسيم المبلغ على المعيشة والملابس لعائلة تتكون من أربعة أفراد.
الأمر ليس حكرا على الفقراء
من بين المفارقات التي استمعت لها خلال تواجدي في سوق "البالات" ان البعض من الزبائن يتم الاتصال به في حال فتح البالة، كونه يدفع ما يطلب على كل قطعة. والبعض الآخر يتجول بشكل يومي في السوق عسى ان يجد قطعة هنا او هناك. في هذه الأثناء جاء رجل انيق جدا، ويبدو ثمة من اخبره ان هناك بضاعة جديدة قادمة بملابس وأحذية صيفية. ما ان ذهب حتى اخبرني صاحب المحل ان كل ما يرتديه هذا الأنيق هو من البالة، الحذاء والقميص والجاكيت والبنطلون، وهو دائم البحث عن القطع المميزة والجميلة والمتينة التي تحمل علامة ماركة عالمية. ان الكثير من الأغنياء وميسوري الحال من الزبائن الدائمين، يقول صاحب المحل.
وقفة أخيرة
من خلال الجولة في سوق البالات، ومشاهدتي لما معروض فيه من ملابس منوعة من الجاكيتات والبناطيل والبلوزات والقماصل بأنواعها، والقمصان، وليس انتهاء بالأحذية والأحزمة وربطات العنق والجوارب وملابس الأطفال والمفروشات والستائر وغيرها من البضائع التي تدخل ضمن قائمة هذه التجارة، جعلني الموضوع اضع علامة استفهام وتعجب حول "الملابس الداخلية" الرجالية والنسائية وحتى الخاصة بالأطفال. فهنا الأمر لا يحتمل التعقيم او التعفير، خاصة مع غياب الرقابة الصحية المطلوبة والوعي الصحي عند عامة الناس من جراء استخدام هذه الملابس، فتذكرت مقولة ذلك المواطن الذي أكد بثقة على أننا نشتري الأمراض بنقودنا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram