1
تشغل هذه الأيام أذهان المسرحيين العراقيين مصطلحات ونظريات مازالت موضع خلاف حول تواريخ بداياتها ونهاياتها ومدى التداخل في استخداماتها . ومنها على سبيل المثال (البنيوية والتفكيكية والشكلانية والظاهراتية والحداثوية ومابعد الحداثوية) . ونوقشت في الأيام الماضية القريبة أطروحة دكتوراه في كلية الفنون الجميلة بعنوان (السينوغرافيا في مسرح مابعد الحداثة) وستناقش بعد أيام رسالة ماجستير بعنوان (الإخراج في مسرح مابعد الحداثة) . وقد وجدت في كلتا المحاولتين قفزة او مغامرة تجيء قبل أوانها في حقول المسرح في العراق وكأننا استنفدنا مناقشة جميع المدارس والتيارات الفنية السابقة وطبقناها في أعمالنا المسرحية ولم يبق أمامنا الا الدخول من أبواب جديدة الى تيارات ليست لدينا معلومات عنها الا النزر اليسير وتجارب قام بها مسرحيون متمرسون تؤهلهم لممارسة تجارب جديدة في حركة المسرح العراقي.
لابأس ان يتطلع المسرحيون الجدد او الشباب الى ماهو اكثر جدة واكثر تطوراً في المسرح العالمي ، ومن المفيد ان يطلعونا على معارف قد تتأخر في مجيئها الينا . ولكن هل يحتاج مسرحنا في الوقت الحاضر الى مثل تلك النزعات او الإرهاصات التي يمر بها مسرحيون خبراء في هذا البلد أو ذاك من عالم له تأريخه العريق في فن المسرح؟ هل أصاب الجمهور المسرحي في العراق من الكلاسيكيات ومن الواقعيات ومن الملحميات ومن اللامعقول حتى تقدم له أعمال توصف بكونها مابعد حداثوية؟ هل لدينا بالفعل الخبرة الكافية في التمييز بين أعمال حداثوية واخرى مابعد حداثوية؟ هل ينبغي علينا ، نحن المسرحين العراقيين ، ان نجتذب جمهوراً أوسع لمسرحنا الجاد او الصحيح ام نبعد عن عروضنا المسرحية حتى ذلك العدد القليل من المتفرجين الذين يحبون الفن المسرحي؟ دفعتني هذه الأسئلة لان أراجع البعض من تلك المصطلحات والتنظيرات وان أتزود بمعرفة إضافية.
فهمت ان (الحداثة) ثورة متجددة وشاملة في شتى أنواع المعرفة والرؤى والاجتهادات، إنها ثورة ضد الأشكال والمضامين والرؤى السابقة، انها ثورة جذرية ضد القديم ورفضه والتطلع الى آفاق أخرى مختلفة، والحداثة ترفض القواعد والتقاليد المتعارف عليها وترفض الثوابت وهي لاتعني الجدة ولو ان الجدة ملمح من ملامحها وهي لاترتبط بزمن معين بل هي موجودة في كل الأزمان. وترتبط (الحداثية) بالتوجهات الطليعية والبوهيمية والتجريبية وكل ما يحرر الفنان من التراكمات القديمة، وتنمو (الحداثية) الى النزعة الفردية وارتبطت في مجال الفن والثقافة بكتابات (توماس مان) و (جيمس جوبس) و (تي اس اليوت) و (لويجي بيرانديللو) و (فرانز كافكا) و (مارسيل بروست) و (اندريه جيد) وآخرين، وينتقد المفكر (جورج لوكاس) الحداثية كونها عاجزة عن "رؤية الوجود الانساني باعتباره جزءاً من منظومة تاريخية متجددة" ويعيب عن أصحابها استغراقهم في التجارب الشكلانية والحيل السردية كالمونتاج والمونولوج وشطحات العقل الباطن، (الحداثية) حركة فنية تشير الى تلك المدارس التي برزت من عام 1880 حتى عام 1940 مثل (الانطباعية والتعبيرية والسوريالية والتكعيبية وغيرها).
هناك خلط بين (الحداثية) و (مابعد الحداثية) نتيجة الفوضى الفكرية والنقدية حيث يعتبر البعض (مابعد الحداثية) ظاهرة ثقافية وفنية وأدبية ترتبط بفترة تاريخية معينة ويعتبرها البعض الآخر نظرية تتعرض لخليط من الفنون كانت من نتاج تقدم الصناعة والمجتمع الرأسمالي المسيطر . وتدعو (مابعد الحداثية) الى الوقوف ضد مبادئ (الحداثية) في الفن والأدب والعمارة ومايتعلق بالعناصر الكلاسيكية في الحداثية في الاسلوب او في التطبيق. (مابعد الحداثية) كحركة فلسفية ترتبط بحركة (مابعد البنيوية) الفرنسية والتي برزت خلال الستينات والسبعينات من القرن العشرين، وترتبط ايضاً بالتفكيكية ولاتؤمن بوضع معايير، وغالباً ماتوصف (مابعد الحداثية) بكونها تكيف داخل الفلسفة العلمية والتي تنكر امكانية الوصول الى المعرفة الحقيقية عن العالم. ومانعرفه عن المجتمع انها صادرة من تركيبنا الخاص والذي يجب تفكيكه . السرديات العظيمة (التطور والعلم والحرية والرومانتيكية والحقيقية) ليست الا اساطير بطولية تمنح نظام الوجود الاجتماعي شرعيته، المابعد حداثية هي الاعتقاد بأن الوصايا والارشادات والنشوء والتطور والتقدم قد انتهت في التاريخ الاجتماعي وبدلاً عن ذلك فقد اعتمد المجتمع على تقهقر الحقيقة المطلقة وانتصار النسبية.
إشكالية الحداثة وما بعد الحداثة!
[post-views]
نشر في: 26 يناير, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...