TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > زوربا عراقي

زوربا عراقي

نشر في: 27 يناير, 2015: 09:01 م

سألني قارئ عزيز: لماذا تعود دوما إلى تجارب الشعوب وتستعير الحكم والأمثلة من بطون الكتب؟ وأضاف القارئ: هل تتوقع أن ساستنا ومسؤولينا يقرأون؟ وانهم سيطيلون النظر في سطور مقتبسة من شكسبير او طه حسين او حتى المرحوم علي الوردي؟ أنا يا سيدي الكريم لا أكتب من اجل الموعظة، بل ضد التخلف، ولست أريد من مسؤولينا الأكارم أن يمضوا أعمارهم في تقليب صفحات ابن الأثير، والتغني بأشعار السياب، كل ما أريده وأتمناه ان أشاهد نائبة تختنق بالعبرات وهي تخرج من خيمة عائلة نازحة، ما اطمح اليه نواب وساسة يعرفون معنى المواطنة، لا أقبل أن يتحسر العراقي وهو يشاهد الممثلة انجلينا جولي تقبل يد عجوز ايزيدية، فيما العديد من نوابنا يقضون عطلة البرلمان في مولات بيروت ودبي.
هل شاهد ساستنا الأفاضل كيف احتضنت الممثلة الأميركية الاطفال والنساء وهي تذرف الدموع؟ ربما البعض منهم سخر وقال انها مشاهد سينمائية متقنة الأداء، لا يا سيدي لقد مات المئات من الأطفال في برد معسكرات النازحين من دون كلمة رثاء سياسية واحدة.
يا عزيزي القارئ الكريم.. انا وانت مواطنون في بلد ضعيف يستقوي عليه ساسته وإخوانهم ورفاقهم.. كنت امنّي النفس بنائب من المؤمنين والمتقين على شاكلة الكافر الألماني وزير خارجية المانيا شتاينماير، وهو يفترش الأرض في مخيم للاجئين العراقيين.
في اليومين الماضيين عاشت اليونان تجربة سياسية أرادت ان تثبت فيها للعالم ان الفعل البشري الحر يمكن أن يفعل الكثير اذا توافرت له الإرادة والرؤية الصادقة، حيث تبدو هذه البلاد التي عانت خلال السنوات الماضية من ازمات مالية وسياسية كأنها تريد ان تقدم نموذجا جديدا للحكم، نموذجاً ينتخب رئيس وزراء شاب يصر في أول خطاب له ان لا يتجاوز عدد اعضاء حكومته العشرة وزراء، وحين سأله احد الصحفيين كيف سيعمل بهذا العدد القليل، قال: علينا ان نشارك هذا الشعب العمل لإعادة الهيبة والاحترام الى العمل السياسي والحكومي، واستشهد رئيس الوزراء الشاب بثلاثة من عباقرة اليونان؛ الممثلة الكبيرة ميلينا ميركوري، وصاحب زوربا كزنتزاكي، غافراس، مخرج الفيلم الشهير "زد".
كأنما الدرس الذي تعطيه بعض الشعوب موجه على نحو خاص، الى بلد ساسة الخطب والشعارات البراقة واصحاب عبارات الرفض، ورافعي شعار "وحدي وليذهب الجميع الى الطوفان"، مجبولون على كره الحوار، يأنفون من ثقافة الشراكة السياسية. فيعيش الشعب معهم على الهامش. اكثر من مليوني عراقي يخوضون حرب الحياة مع الاهمال والتشرد والبرد لم يجدوا حتى اللحظة الفاصلة بين الموت والحياة اي مسؤول يقف منتظرا عسى ان يتم مساعدتهم، لكن الساسة والمسؤولين ذهبوا صوب مايكرفونات الاعلام، يبثون يحتجون وينددون فيما العوائل المشردة لاتزال حتى هذه اللحظة تنتظر من يمد يده اليها لينفذها من العوز والفقر والتهجير القسري، الحكومات الفاعلة تفتح طرق الحياة مع مواطنيها، فيما يشيّد ساستنا سدوداً بينهم وبين الناس تكبر يوما بعد يوم.
سقطت الموصل بيد داعش ليس فقط بسبب تقاعس المسؤولين الأمنيين، بل بسبب النزاع بين ساستنا الأكارم، هكذا أيضاً سقطت الانبار بسبب نشيد الفقاعات والصراع الممل بين أحقية فلان بالكرسي وموقف علان من العملية السياسية، انتشر الخراب والوباء بسبب مسؤولين لم يقدموا لنا سوى الهم والغم وخطب معارك المصير والفقر والموت واخبرا وليس اخرا التقشف.
اليوم رئيس وزراء اليونان يحلم بأن يرقص مثل زوربا، فيما ساستنا يتعوذون من الشيطان حين يسمعون كلمة "فن " ويعتقدون أن تشريع لزواج القاصرات اهم وابقى من قانون رعاية الأيتام والأرامل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. قيران المزوري

    من فظلك اسمح لنا أن نبكي .....

  2. ابو اثير

    عزيزي الكاتب ...أن من اهم مشاكلنا منذ ثورة 1958 ولحد ألآن هو عدم وجود رئيس أو قائد يحظي بحب العراقيين والعراق وحب العراقيين له ما عدا الزعيم عبد الكريم قاسم رحمه الله والجميع الذين جاؤوا من بعده لم يكن همهم سوى مصالحهم الشخصية والعائلية والحزبية والعشائري

  3. قيران المزوري

    من فظلك اسمح لنا أن نبكي .....

  4. ابو اثير

    عزيزي الكاتب ...أن من اهم مشاكلنا منذ ثورة 1958 ولحد ألآن هو عدم وجود رئيس أو قائد يحظي بحب العراقيين والعراق وحب العراقيين له ما عدا الزعيم عبد الكريم قاسم رحمه الله والجميع الذين جاؤوا من بعده لم يكن همهم سوى مصالحهم الشخصية والعائلية والحزبية والعشائري

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram