منذ أيام أدردش مع الشباب في "السوشيال ميديا" عن العلاقة بيهود العراق وتوراتهم، وطبيعة علاقتنا بالولايات المتحدة، وأكرر الأسئلة وبعض الأفكار، وأحاول قياس درجة التوتر التي تربطنا بالعالم من حولنا.
ومثلما اتهموا حيدر العبادي بانه "منبطح" في اطار محاولته إبرام تسوية مع الأطراف العراقية المختلفة، فان تهمة "الانبطاح" ظلت تلاحقني انا ومن طرح فكرة مشابهة، بخصوص التصالح مع الغرب. وهذا امر طبيعي وهو جزء من كلاسيكيات العقل السياسي في منطقتنا طوال عقود.
لكن الاتهامات لا ينبغي ان توقفنا عن الإصرار على طرح السؤال الكبير بشأن مستقبل علاقتنا مع الدول العظمى، ومعظمها في الغرب طبعا. ما هي نوع حاجتنا للغربيين، وهل يمكن الاستغناء عن علاقة وطيدة بأوروبا وأميركا؟
لقد نشأت أجيال عديدة على عقيدة تفيد بان الغرب شر، وقادتنا هذه الفكرة الى خوض حروب مع الغربيين لم ننتصر في أي منها، نصرا يؤدي الى استقرار او تحسن حال. ولا يقتصر الأمر على العراق الذي جرى تهديمه عدة مرات بسبب توتر علاقته بالدول الكبرى، بل خاضت مصر تجربة قاسية منذ تأميم قناة السويس، وحرب الثلاثين سنة، وها هي ايران تدفع ثمنا باهظا ينعكس على وجوه الإيرانيين الحزينة التي تراها في أربيل وبيروت ودبي، وشعورهم بالملل والسأم من كل القيود الدولية التي تحدد اقتصادهم وحركتهم في الدنيا، وهم الشعب الطموح والمتحضر.
وكل هذه التجارب تستدعي منا ان لا نتوقف عن طرح الاستفهامات بشأن إعادة صياغة علاقتنا بالدول العظمى، التي تمثل اكبر خزان في العالم للمال والقوة والمعرفة، وايضا القسوة التي تبرر لنفسها فعل أشياء كثيرة للحفاظ على "العظَمة" بفتح الظاء، حتى لو اضطرت تلك الدول الى قصف بلد مثل العراق طوال ربع قرن وهدمه خمس مرات.
وكل هذه التجارب تستعرض لنا الفاتورة الرهيبة التي ندفعها بسبب رغبة جزء من شعبنا وقياداتنا طوال نصف قرن، في التحرش بمصالح الغرب وتحديه وهزيمته.
وكل هذه التجارب جعلتنا نتلوى من الوجع ونشكو قسوة الغربيين الذين "يتآمرون" علينا والذين يحركون كل العفاريت ضدنا، وربما يزودون حتى داعش بالسلاح عبر مروحيات وطائرات، كما يعتقد اليوم جزء من العراقيين.
لكن سنيّ الحرب الطويلة ضد مصالح الغرب عليها ان تجعلنا نعيد النظر في أسلوب التحدي الذي اخترناه، وقد جربه أربعة او خمسة من قادة المنطقة خلال نصف قرن، دون ان يحصل شيء سوى ازدياد الفقر والتخلف التنموي والتعصب، وهي عوامل أدت بالنتيجة الى جعلنا ننهش لحم بعضنا كمسلمين او شرق أوسطيين، واذا بقي الحال هكذا فلن استغرب من استمرار الصراع والتخلف مائة عام أخرى، وهي حرب برسم الانقراض الرسمي لأجيال حلوة تستحق حياة افضل.
لقد مللت من الجدال مع الشباب حول هذا، كما مل قبلي الآلاف ممن ناقشوا الفكرة، لكن علينا ان نتفق على ان القوة المادية والمعرفية التي يمتلكها الغرب لا يمكن ان تقهر حتى لو اشترينا كل مخازن السلاح الروسي والصيني، وحتى لو أنفقنا كل بترول الخليج. ان المواجهة الحقيقية مع الغربيين تتمثل في ان نتصالح كمجموعات تسكن الشرق الأوسط، كي ننشغل بتنمية الإنسان وبناء الأوطان، كما اختارت آسيا البعيدة منذ زمن طويل، وتمكنت اليوم بدون أي سلاح يذكر، من إجبار الغربيين على الدخول معها كشريك في المكاسب والمخاوف والمصالح.
أما ازدياد عدد الأيتام وخراب التعليم والصحة، وانهماكنا في ذبح بعضنا، فهو مجرد مشهد مؤلم سيظل يثير سخرية الغرب والشرق ايضا.
لم يفت أوان أن نصوغ معنى جديدا للنصر، وأول ما يتطلبه هو عقد صلح كبير مع الغربيين، الذين تعبوا هم ايضا من حربنا معهم وحربنا مع بعضنا. وأول مستويات الصلح ان نعيد شكوكنا الى حجمها الطبيعي، وان نحاورهم بلا تردد، وان ننخرط في العالم الحديث بلا قيود. وعكس هذا سيعني تذكرة دخول الى الجحيم المهيب الذي نحن على أبوابه كما يبدو.
كي "نهزم" الغرب "الكافر"
[post-views]
نشر في: 28 يناير, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 4
ام رشا
الشعب الطموح والمتحضر .. الطموح يعني لانه سيصنع قنبلة ذرية بس متحضر شلون أعطينا الدليل..!
خالد
حديثك هذا استاذ سرمد يؤيده كل ذو عقل رشيد فعنتريات قادتنا لم تجلب لنا غير الخراب والتخلف والخروج خارج التاريخ . القائد الحقيقي هو من يجنب شعبه ويلات الحروب وهوان التشرد ومرارة الجوع والحرمان . أمراء الحروب في بلادنا في قصورهم خارج البلاد في منتجعاتهم مع أ
ام رشا
الشعب الطموح والمتحضر .. الطموح يعني لانه سيصنع قنبلة ذرية بس متحضر شلون أعطينا الدليل..!
خالد
حديثك هذا استاذ سرمد يؤيده كل ذو عقل رشيد فعنتريات قادتنا لم تجلب لنا غير الخراب والتخلف والخروج خارج التاريخ . القائد الحقيقي هو من يجنب شعبه ويلات الحروب وهوان التشرد ومرارة الجوع والحرمان . أمراء الحروب في بلادنا في قصورهم خارج البلاد في منتجعاتهم مع أ