TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > الفنان جبر علوان .. تجديد الذاكرة وإيقاظ الألوان

الفنان جبر علوان .. تجديد الذاكرة وإيقاظ الألوان

نشر في: 30 يناير, 2015: 09:01 م

ظل الفنان التشكيلي جبر علوان على دهشته بالمكان الشرقي واستمر مسحوراً بقريته الصغيرة التي كانت وظلت مركزاً ثقافياً وفنياً خلال تجربته الفنية مع كل التحولات الحاصلة فيها ، على الرغم من ندرتها ، لأنه ابن التعبيرية والأمين عليها ، واعتقد بأنه استفاد من أ

ظل الفنان التشكيلي جبر علوان على دهشته بالمكان الشرقي واستمر مسحوراً بقريته الصغيرة التي كانت وظلت مركزاً ثقافياً وفنياً خلال تجربته الفنية مع كل التحولات الحاصلة فيها ، على الرغم من ندرتها ، لأنه ابن التعبيرية والأمين عليها ، واعتقد بأنه استفاد من أشهر التجارب التعبيرية في الفن العالمي ، وتعلم كيفية استظهارها وإضفاء ملامحه الذاتية عليها. 

هناك رأي عام عن تجربته التي دائماً ما تستعيد موجودات قريته ، مثل الأشجار والنخيل عبر ألوانها ، لكن هذا رأي يفتقر للدقة وجبر علوان هو السبب الرئيس في توريط من قال بهذا نقدياً وفنياً عبر الأفلام التسجيلية. وأكثر العناصر أهمية وحضوراً في تجربة جبر هي الألوان التي تكررت كثيراً ، والمتغير والمتحول فيها قليل ، حتى تحولت لوحاته الى نمطية ، ليس باللون فقط وإنما الموضوع والعلاقة الايروتيكية وكأن التعبيرية مكتفية بذلك وغير قادرة على تجاوزها . وأتذكر أخر ما قاله رينوار بعد انجازه للوحته الأخيرة ، لقد تعلمت شيئاً جديداً .

 

 
ومات بعد ذلك ، هذا الرأي كفيل بإيجاز تجربة رينوار غير الثابتة والمتحركة ..... انه يتعلم ويكشف ، حتى في اشد ظروفه الصحية صعوبة . أما الفنان جبر علوان ، فلم يقل بما هو قريب من ذلك ليمكن الآخر / المتلقي من الاقتراب إليه ، اعتماداً على ما قاله ، بل صار عاملاً وسيطاً في توريط من كتب عنه ، أو حاول التجاور وإياه . وأنا اعتقد بان المهارة والحرفية لا تكفي فناناً اقترب من الفضاء العالمي كثيراً . وهذا يعني في أوروبا نوعاً من البساطة والتسطيح ، والاكتفاء بخبرة الألوان والمساحات الواسعة للوحاته التي حاول الاقتراب من خلالها لفضاء حريته الواسع لا تنتج فناناً مزوداً بالثقافة والمعرفة والفكر . من هنا أعدت ما كتب عن جبر قصدياً ، للبحث عن التماع ثقافي او جمالي .
هذا التوريط الذي أشرت له ، أوقع المتلقي بتورط من نوع جديد ، وهو إعادة وتكرار ما كان حاضراً من قبل ولم يوفر فرصة لمتلقيه لابتكار موقف نقدي ، وإعادة انتاج ما هو جديد . لم تكن الألوان في تجربة جبر علوان تمثيلاً لما هو موجود في قريته الزراعية بل هو اعادة انتاج وتمثيل ـ بوصفه خطاباً ـ لما كان حاضراً وسائداً في قريته ، حيث الأنماط الاجتماعية والعلاقات العامة ، الثقافة العشائرية ، وهيمنة الخطاب الشرقي بحضوره وقسوته ، وهذا ما سأشير إليه لاحقاً . والمدهش في توريطات جبر ، على سبيل المثال ، حول اللون الأخضر بأن تمركزه تشكلَّ بسبب سيادة النخيل في القرية . ولم يقل بأنه، الأخضر ، هو لون القرية ، ولا أريد الإشارة باتساع الى عتبات الحضارة الأولى التي اقترحت الألوان الأولى بعد ملاحم الخلق والتكوين ..... وتعامل معها بوصفها كيميائيات جاهزة . هذا الفهم المحدود ، سببه هروب جبر عن فلسفة الجمال وابتعاد عن الأصول الأولى . هذا مثير للدهشة ، لان الفن العراقي زاخر بأسماء حازت التنفيذ الحرفي الإبداعي والمعرفة الرفيعة التي لعبت دوراً في التراكم الكمي للتجربة وعرفت بالتحولات البنائية منها والنماذج كثيراً جداً ، ومنها على سبيل المثال شاكر حسن آل سعيد ، شوكت الربيعي ، عاصم عبد الأمير ، هناء مال الله ، ضياء العزاوي .... الخ وتختصر هذه الأسماء ما أردت التركيز عليه والإشارة لأهميته الثقافية والمعرفية . بمعنى ان الفن لا يعني خبرة بالعلاقة مع الألوان ، بل كيف تكونت الألوان وارتضت تجاورها وتأثيراتها على الكائن . الرسم مهمة ابداعية ، لكن ذلك ناقص اذا لم يزود بالثقافي والجمالي.
لا نستطيع إنكار الضرورات الملحة لفنان عاش تاريخاً طويلاً في روما لتحريك ذاكرته وإيقاظها واستدعائها مرة ثانية ، من خلال أمكنة فيها مشتركات مع قريته ، مثل دمشق / أبو ظبي ، تونس ... الخ فالذاكرة تحتاج عصفة توقظها من الركود الذي يصيبها . لكني أثق بان محيطاً عربياً يحرك ذاكرة جبر وهو احد مغذيات تجربته التي ما زالت حاضرة بقوة استثنائية ، مضافاً الى هيمنة الخطاب الثقافي الشرقي الذي صاغ مرتكزات ثقافية خاصة بالريف العراقي وبلورت أيضا نمطاً ما زال ثابتاً من العلاقة مع المرأة التي تبدّت واضحة ولكن كانت الآراء متغايرة حولها .
في كل لوحاته ثنائية الذكورة / الأنوثة ، اليانج / الين . لكن الأكثر طغياناً هو سيادة الذكورة ، المحتشمة ـ باستثناء لوحة واحدة ـ النائمة على سريرها الملفوفة بدثار ساتر لجسدها ، لان شهريار تمكن من انتاج وتسويق خطابه المؤكد على فحولته وضرورة احترامها ومنحها ما تستحق من مكانة مرموقة في الحياة ، أما المرأة فهي المزاحة بعد استهلاك جسدها عبر الاتصال ، ودائماً ما ظهرت بعيدة قليلاً ، وبمسافة كاشفة عن فجوة بين الاثنين ، أنها لا تعني قيمة ثقافية ومعرفية ، بقدر طاقتها الشهوية التي دائماً ما تمنح وتنتهي . لذا ظهرت كثيراً في زاوية بعيدة من لوحاته الكبيرة وكأنها مطرودة . أو بالإمكان أن نقول بأنها أنموذج لنوع مغترب وسط الحياة والمجتمع . 
المرأة أكثر تعبيراً وطاقة على الكشف فالألوان السابحة فيها ووسطها هي الألوان التي ظلت مخزونة في ذاكرة الفنان عن نساء القرية وحتماً كانت أمه متماثلة معهن ، والهوس بهذه الألوان وتكرر الأجساد الأنثوية الطويلة ، مماثلة لأمه ـ تفضي عن رغبة نوستالجيا او حنين لاستعادتها واستحضارها وبالنهاية هي نوع من الاوديبية الواضحة .
الحياة في روما / أوروبا مزدحمة ، لا يجد الفرد فيها مجاله الكلي والاجتماعي مع الجماعة ، فهو غائب وسط وحدته ولا شيء غير العلاقة المكملة له مع المرأة انها علاقة مؤقتة مثلما ذكرت ، بينما في الحياة الريفية العلاقة مكتظة في كل الأوقات . للجماعة وقراباتها المتخيلة سرديات بوصفها مجازاً غنياً بكثير من الدلالات التي كانت وظلت متحركة عند التلقي ، وليست مثلما هي عليها في أوربا أو العلاقة مع الأخر .
المرأة غريبة في فضاء الرجل بعد استهلاك جسدها ، وكأنها تعيد لنا وتقص علينا ـ محكومة برؤيا الشرقي ـ شهرزاد ، هي المضطهدة فيها ، لأنها كانت وظلت بانتظار موتها ، لأنها ـ المرأة ـ في لوحات جبر علوان بانتظار تعطلها وعليها أن تقضى ، تمنح الايرويتك وتمثل عطاءات الجسد بوصفه نوعاً من السرد .
يستعيد الفنان جبر علوان حكايا النساء في ذاكرته وتبدت في لوحاته والمثيرة التي احتضنت الكائن / الفرد أو الفحل والمرأة ، هكذا يفهم جبر علوان الثنائية بين خطابين ، هما الذكورة / والأنوثة ، ولم تظهر له لوحات بعيدة عن ذلك أو مختلفة ، وهذه اكبر الأسئلة المعرفية حول تجربته التي لم يشر احد لها .
الأحمر لون شهوي ، منحته الديانات الشرقية الوثنية والموحدة نوعاً من القداسة ، مثلما هو رمز للحياة ، أما لديه فهو لون وحشي ، مثير ، ومحفز لطاقة الفحل ، كذلك هو رامز على الرغبة الكاشفة على هوس الشرقي بالايروتيك وتبدت لي المرأة في لوحاته محكومة بلحظة الدهشة والاكتشاف الأول لها عندما كان طفلاً . لكن علىّ التذكير بأن جبر علوان ظل خاضعاً للعبة الشرقي مع المرأة وهذا ما أوضحته لوحته " وحدة الضدين " وهما ممددان فوق السرير والمرأة كاشفة عن جسدها ، وتكاد تكون هي اللوحة الأولى العارية كلياً في كتاب عبد الرحمن منيف . عنونة اللوحة " وحدة الضدين " يكشف ثقافته البدوية التي ما زالت ممتدة في حياتنا وهذا ما هو سائد في حياة الأرياف وأنتجت الضدية نوعاً من التهميش للمرأة في لوحاته . إن الذكورة والأنوثة ينتجان الحياة ويمجدان الانبعاث والتجدد .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

التعديل الوزاري طي النسيان.. الكتل تقيد اياد السوداني والمحاصصة تمنع التغيير

حراك نيابي لإيقاف استقطاع 1% من رواتب الموظفين والمتقاعدين

إحباط محاولة لتفجير مقام السيدة زينب في سوريا

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram