اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > المواطن بين مطرقة المرض وسندان العلاج

المواطن بين مطرقة المرض وسندان العلاج

نشر في: 30 يناير, 2015: 09:01 م

توقّفَ أمام الصيدلية، فتـَّشَ في جيوبه، جمع أوراقاً نقدية، من جيبي سترته الأيمن والأيسر ومن جيب القميص. وعدَّها فوجدها لا تكفي، لثمن العلاج الذي كتبه الطبيب لابنته. أخرج هاتفَه واتصل بأحد معارفِهِ، الذي يعمل بالقرب من عيادة الطبيب، لطلب المبلغ المتبق

توقّفَ أمام الصيدلية، فتـَّشَ في جيوبه، جمع أوراقاً نقدية، من جيبي سترته الأيمن والأيسر ومن جيب القميص. وعدَّها فوجدها لا تكفي، لثمن العلاج الذي كتبه الطبيب لابنته. أخرج هاتفَه واتصل بأحد معارفِهِ، الذي يعمل بالقرب من عيادة الطبيب، لطلب المبلغ المتبقي. امرأة في الستين من عمرها، خرجَت من الصيدلية، نظرت الى السماء وقالت "يارب موّتنا أحسن من هاي العيشه"! فقد تبين أنها الصيدلية الخامسة، من دون أن تعثـر على الدواء الذي يمكن للمبلغ الذي تحمله أن يُغطيه، لكنها لم تنجح بذلك.

أدوية أصلية 
من خلال معاينة ومشاهدة بعض الحالات في التجمعات الطبية في مناطق المنصور والحارثية وساحة الواثق وشارعي فلسطين والسعدون وغيرها من الأماكن التي تتواجد فيها عيادات طبية ومستشفيات أهلية، تلمَّسْتُ معاناة الناس من ارتفاع الأسعار بشكل لا يصدق، فقد حكى لي احدهم ممن يعملون في إحدى هذه العيادات ان بعض المراجعات ربما تصل تكلفتها الى حدود 400 ألف دينار ، وحتى أكثر ما بين كشفية معاينة الطبيب والدواء والتحاليل المختبرية، اما اذ تطلب الأمرُ مفراساً فتلك هي الطامة الكبرى! فهناك بعض الصيدليات تصرف الدواء الأصلي كما يقول الصيدلاني ذلك وهو في الغالب من مناشئ أوروبية وبشكل خاص سويسري او فرنسي او انكليزي، برغم توفر البدائل المشابهة له والمطابقة وبأسعار أقلّ بكثير ومن مناشئ اخرى إماراتية او مصرية او سورية او هندية او عراقية ممثلة بأدوية سامراء، لكن هنالك إصراراً على صرف الأدوية الغالية الثمن، كون ثمنها غير معلوم للكثيرين وبإمكان الصيدلاني اضافة أية نسبة ربح يريد، الأمر الآخر هو اختلاف أسعار الوصفة من صيدلية الى أخرى ومن منطقة الى اخرى، حتى لو كانت ذات الأدوية ومن المنشأ ذاته! 
اما مراجعة المستشفيات الأهلية، فهي طامة أكبر إضافةً إلى ارتفاع أسعارها، وتفشي ظاهرة البقشيش، وقلة الرعاية والاهتمام في البعض منها، هناك بعض المستشفيات تفتقد الى النظافة الحقيقة، وبشكل خاص في صالات العمليات الأمر الذي ينعكس على صحة المريض بشكل سلبي. وهناك عشرات الحالات المؤسفة والناتجة عن هذا الإهمال قسمٌ منها أدى الى وفاة المريض، إضافة الى عدم أهلية البنايات في قسم منها.
الثمن باهظ
المواطن عبدالله مناحي (62عاما) من سكنة محافظة واسط جاء لمراجعة أحد الأطباء الأختصاصيّين في منطقة الحارثية، إذ شكا أوّلا من سكرتير الطبيب الذي لا يقوم بالحجز وفق مبدأ الأسبقية، بل وفق مبدأ من يدفع أكثر متطرقاً الى ارتفاع أجور معاينة الطبيب التي بلغت 50 الف دينار وفي العادة يُضاف إليها أجور تخطيط القلب أو ما شابه.
ويضيف مناحي "يأتي الدور بعد ذلك على التحاليل التي يتطلبها التشخيص وصرف الوصفة الطبية التي لا تقل في الكثير من الأحيان عن 100 الف دينار وهذا ما حصل معي في كل زيارة لطبيبي، مضيفا انه في إحدى المراجعات ذُهلت حين اخبرني الصيدلاني ان ثمن الوصفة 350 الف دينار وحين استفسرتُ عن الأمر قال إنها أدوية أصلية حينها لم يكن أمامي سوى الدفع وشراء صحتي وفي كلا الحالتين هناك ثمن باهظ للمال أو الصحة.
العيادات الشعبية وشحة الأدوية
لو مررنا على العيادات الشعبية والمستوصفات الطبية الحكومية، سنجد أنّ أغلبها ينفــد منها الدواء في الساعات الاولى بعد بِــدءِ الدوام الرسمي وبطرق شتى، منها عبر صرفه للمرضى ومنها عبر تهريبه الى خارج تلك المراكز الصحية، الأمر الذي يُجبر بعض المراجعين من المرضى على صرف الوصفات من صيدليات خارجية وباسعار مرتفعة وربما مرتفعة جدا. الطبيب العامل في هذه المراكز الصحية، بدوره يقوم بتحويل بعض الحالات المرضية الى عيادته الخاصة، كون ان لا علاج في المشفى، ذات الامر يحدث في المستشفيات الحكومية التي تتعامل مع الحالات التي تُحَوَّلُ لها من قِبَل تلك المراكز الصحية، ليتحمل المواطن الفقير تبعات ذلك مما يثقل عليه وعلى مستواه المعاشي. هذا بعض ما يخص المراكز والمستشفيات الحكومية، اما الأهلية كفانا الله وكفاكم شر مراجعتها، فالامر يُدمي القلب والعين، البعض من الأطباء والصيادلة حَوَّلَ المهنةَ من إنسانية الى تجارية، همه الوحيد معاينة اكبر عدد من المرضى، كما أن بعض الأطباء قد دخلوا في سباق مع بعضهم حول من يفحص اكبر عدد من المرضى او من يجني مالا اكثر.
الفقراء والمرض
محمد وليد مدرس جاء مع والدته لمراجعة طبيبه الخاص قال: لو أخذنا على سبيل المثل، مواطن من أصحاب الدخل المحدود موظف او عنصر أمني في الشرطة او الجيش، او عامل بأجرٍ يومي، وعليه مراجعة طبيب اختصاصي او مستشفى أهلي، بعد أن عجز عن مراجعة المشفى الحكومي. وأضاف: لو افترضنا ان أجور معاينة الطبيب 50 الف دينار، وكلفة الدواء، 50 الف دينار، والتحاليل المختبرية 50 الف دينار, إجمالي المبلغ سيكون 150ألف دينار لمراجعة واحدة، أعتقد إنّه رقمٌ ليس بالسهل على الكثير من الشرائح الفقيرة دفعه، الأمر الذي يستوجب استدانته في الكثير من الاحوال، ليُضاف همٌّ آخر إلى همّ المرض، ألا وهو همُّ الدين.
الدكتور سعدي شرشاب أوضح: إنّ ارتفاع أجور معاينة بعض الاطباء يعود لارتفاع تكلفة الحياة في شتى المجالات وللجشع والطمع ايضا عند البعض من الاطباء، مضيفا والسبب الآخر عدم وضع لائحه باسعار الفحص تكون صادرة من نقابة الاطباء او وزارة الصحة او أيّة جهة رقابية اخرى.
الحس الإنساني والاختصاص
اما الدكتور ماجد الحيدر فقد أوضح أن أسبابا عديدة منها افتقار بعض الأطباء الى الحس الإنساني (وهذا أمر حقيقي لا يمكن إنكاره) ومنها ندرة الاختصاصات والإغراء الذي يمثله السفر الى الخارج ومنها التهديد المستمر للكثير من الأطباء وخصوصاً من أصحاب الكفاءات النادرة وفي هذه الحالة يحاول البعض تعويض هاتين الحالتين (الإغراء والتهديد) بجمع أكبر ثروة ممكنة خلال أقصر فترة. واضاف الحيدر: انه مع أي تحديد لإجور الكشف على المريض، لكن أي تحديد يمكن التحايل عليه والالتفاف حوله إن لم تكن النيات صادقة والالتزام موجوداً بأخلاقيات المهن الطبية. 
الحيدر قال: ينبغي ألاّ نغفل ثلاثة أمور جوهرية بهذا الصدد ، فالأطباء أولا ليسوا طبقة متجانسة من حيث المستوى المعيشي أو طبيعة العمل، فهناك من ذوي المهن الطبية من يمتلكون ويديرون مؤسسات استثمارية ضخمة (بعضها في مجال ما يسمى بالسياحة الطبية مثلاً) أو معامل الأدوية أو الوكالات التسويقية لمؤسسات أجنبية كبيرة الخ..، وهناك في المقابل أعداد كبيرة منهم من ذوي الدخل المحدود وخصوصا من الشباب حديثي التخرج الذين لا يحصلون سوى على مرتباتهم الحكومية أو العمل مساعدين ومناوبين عند غيرهم.
مجانية العلاج
اما في ما يخص العمل في المراكز الصحية والعيادات الشعبية فقد اوضح الدكتور إياد ميران الذي يعمل في احدى العيادات الشعبية المسائية في محافظة النجف : ان الادواية متوفرة بشكل جيد لكن قسما منها ينفــد بسبب الطلب عليه خصوصا في موسم الشتاء فتصرف ادواية الانفلوانز والرشح بكميات كثيرة لذلك تنفــد مبكرا.
واشار ميران الى ان مجانية العلاج والفحص في المراكز الصحية تحت (12) سنة مجاناً وفوق (12) سنة بـ (500) دينار يؤدي الى كثرة المراجعين، فكثيرون منهم يدخلون حاملين أطفالهم بيد وباليد الثانية كيس أدوية.
تسجيل الأدوية والروتين
الصيدلاني اسعد محمد تقي قال: اعتاد الأطباء على العناية في عياداتهم الخاصة بمرضاهم أكثر بما لا يُقاس مما يفعلونه في المراكز والمستشفيات الحكومية , مبينا أن الكثير منهم اعتبر أن الطريق الى المستشفى الحكومي لإجراء عملية ما أو فحوصات، بل وحتى للحصول على أحد الأدوية المرتفعة الثمن لابد من أن يمر بعيادته أوّلاً .
واضاف تقي: هناك صعوبة كبيرة في تسجيل الأدوية والشركات الأمر الذي يستوجب التدقيق في صلاحيتها التي يقررها المختبر المركزي لفحص الأدوية .. وهذا الأمر يجب تداركه من خلال إيجاد وسائل لتسهيله والتقليل من الروتين الإجرائي بشرط أن لا يمس هذا التسهيل جودة الفحص ودقته للحصول على أدوية يطمئن لها المواطن وطبيبه مشيراً: مقابل تسهيل تسجيل الأدوية الجديدة العالية الجودة يجب ســد الطريق أمام أيّ منتج دوائي لا يرتقي الى مستوى الجودة المطلوبة مهما كان منشأه .
ضعف الرقابة ورتابة النظام
اما في ما يخص ارتفاع أسعار الأدوية وتباين أسعارها، قال الدكتور محمد عبدالأمير إن هناك عوامل عــدة تحكم الموضوع، المناشىء المختلفة تعني أسعاراً مختلفة..هذا أولا فعلاج من شركة مغمورة هندية او مصرية يختلف عن نظيره من شركات مثل فايزر، واسترازنيكا، وسانوفي. مشيرا الى إمكانية تأثرها بالمنطقة وحجم الطلب، فصيدليات الحارثية مثلا، تحسب هامشاً ربحياً يختلف عن منطقة شعبية مع غياب (عامل التوازن السوقي، كما كان سابقا) حيث كانت كيماديا توزع للصيدليات بأسعار ثابتة.. ما يضع سقفاً للمنافسة.
وأضاف عبدالأمير: ومن الأسباب ايضا، الاتفاقات الجانبية بين بعض الأطباء والصيادلة لإرسال المرضى الى صيدلية معينة، مقابل (كومشن) يُعطى للطبيب، ليجد الصيدلاني نفسه حراً في فرض السعر الذي يريده، مبينا أن السبب الأهم في ذلك، هو ضعف الرقابة الحكومية، على القطاع الصحي بشكل عام وترك الحبل على الغارب، لكل مَن تسوِّل له نفسه فتح صيدلية من دون وجه قانوني.
موضحا: ان الدولة متمثلة بالشركة العامة للادوية والمستلزمات الطبية لازالت على نظامها القديم نفسه باعتماد المناشىء غير الرصينة في استيراد الأدوية مما يجعل الأطباء والمرضى على حدٍ سواء، يلجؤون لشراء الأدوية من الشركات الرصينة، منوها: وبما ان منتجات هذه الشركات غير مدعومة فتبقى عرضة للزيادة باسعارها حسب مزاح مستوردها، وايضا العرض والطلب اضافة الى ضعف الرقابة الرسمية كما اسلفت.
وفي ما يخص ارتفاع أجور معاينة بعض الأطباء أكد عبد الأمير أن الطبيب العراقي يعاني من غصة في مساواته بأقرانه الأطباء، في الدول المحيطة كلها وليس المجاورة فحسب، وهذا يجعله يسعى جاهداً لأن يرفع من قيمته المعنوية، بطرق عــدة وأهمها رفع أجور المعاينة، وكذلك في بخس حقه من قبل الجهات الحكومية المسؤولة، وحتى من قبل النقابة، الأمر الذي يدفعه لتعويض هذا بزيادة أجرة المعاينة، إضافة الى عدم وجود قوانين تنظم العمل الخاص، وكذلك علاقته بالعمل الحكومي والرقابة الحكومية أيضا.

 

فارزة

ولأجل مراعاة ظروف المواطن، ووضعه الاقتصادي والظروف الصعبة التي مررنا بها ونمرُّ بها الآن، لابد من اتّخاذ بعض الاجراءات والتشريعات المهمة بهذا الشأن ومنها، دعوة اللجان البرلمانية ممثلة باللجنة الصحية واللجنة الاقتصادية، اضافة الى ممثلين عن وزارة الصحة ونقابتي الأطباء والصيادلة الى تشريع او سن قانون تحدد بموجبه اجور معاينة أو أجور الكشف لكل طبيب، مع الأخذ بالحسبان الشهادة والتخصص والكفاءة، اضافة الى اهمية ان يعمل الطبيب في مجال واحد، يعني من يوظف في مستشفى حكومي او مركز صحي او مستوصف، لا يحق له فتح عيادة خاصة او العمل في مستشفي أهلي، لأجل ان يكرس وقته ومهارته في العمل المناط به على ان يتمتع هذا الطبيب بمرتب مجزٍ ومكافآت ومخصصات تقاربُ ما يجنيه الطبيب العامل في القطاع الخاص، إضافة الى تشكيل لجان اخرى من النقابات المعنية ومكتب المفتش العام في وزارة الصحة، لمتابعة عمل المستشفيات والمراكز الصحية والمستوصفات والعيادات والصيدليات الأهلية والحكومية ووضع الضوابط الرادعة والعقوبات بحق المخالفين والمتاجرين بصحة الناس، مع اهمية دور الجانب الإعلامي والإرشادي في توعية الناس بالكثير من الجوانب المتعقلة بهذا الشأن، وفتح قنوات اتصال مع المواطنين وبث البرامج التلفازية والاذاعية التي تشكّل نافذة للاطلاع على كل المشاكل التي تعترض المواطن، وبالتالي امكانية حلها مما يساعد على تخفيف الضغط الاقتصادي على المواطن. 

برغم كل ما ُطرح في هذه السطور وما بينها، يبقى أملنا بأطبّائنا كبيراً، كما يبقى شعارنا "أطباءنا رفقــاً بنـا".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram