احتفى نادي السرد في اتحاد الأدباء والكتّاب العراقيين ، وضمن منهاجه الثقافي الأربعاء الماضي ، بالقاص والروائي احمد خلف بمناسبة صدور روايته الجديدة "تسارع الخطى" عن دار المدى. حيث قدم عدد من الباحثين والنقاد رؤاهم وتحليلاتهم حول ما تضمنته أحداث الرواية
احتفى نادي السرد في اتحاد الأدباء والكتّاب العراقيين ، وضمن منهاجه الثقافي الأربعاء الماضي ، بالقاص والروائي احمد خلف بمناسبة صدور روايته الجديدة "تسارع الخطى" عن دار المدى. حيث قدم عدد من الباحثين والنقاد رؤاهم وتحليلاتهم حول ما تضمنته أحداث الرواية. في البدء أشار مقدم الجلسة الروائي حميد الربيعي الى ان الرواية العراقية بلغت مرحلة متقدمة على مستوى السرد الإقليمي إن لم يكن الدولي، ما يجب ان نعكسه من خلال النشاطات الثقافية. وقال: لن أتحدث عن المحتفى به فهو اشهر من نار على علم، وبدوري أتشرف باني احد تلامذته، وما زال يمثل الأب الروحي للكثيرين من خلال تجربته. مبيناً انه تأثر بمنجزه وخاصة مجموعته القصصية "نسخ لشوارع مهجورة". وقال: هذه المجموعة رافقتني طيلة سنوات الغربة أعود لمطالعتها كلما اشتاق للعراق، ولم يكن لي سوى احمد خلف وأبطاله، ولم اكن اعرفه شخصياً الا بعد عودتي للوطن في عام 2011.واستهل المحتفى به الروائي احمد خلف حديثه بالشكر للقائمين على جلسة الاحتفاء هذه. وقال: في مطلع السبعينات من القرن الماضي، أقام البرنامج الثاني من إذاعة القاهرة جلسة موسعة عقدها لمناقشة مجموعة قصصية للكاتب المصري ابراهيم أصلان، وكان الحاضرون معه رشاد رشدي ومحمود أمين العالم وسامي خشبة وغيرهم. عندها أراد أصلان الحديث عن مجموعته، فأسكته العلامة محمود أمين العالم قائلاً: "انتهى دورك الآن، وجاء دوري انا، لأتحدث عن المجموعة من حيث لا تتوقع، ولن تخطر في ذهنك الأفكار التي استدلها منها، ولو تحدثت أنت فلربما تسيء الى منجزك القصصي". فهل يحق لي الآن بعد تجربة خمسين عاماً الحديث عن روايتي؟. لافتاً الى ان لديه اعتقادا بسيطا يتعلق بأي كاتب روائي او قصصي او مسرحي سيكتب في نهاية المطاف بعد إنجازه لمجموعة نصوص كتابه الأخير الذي يثبت فيه موقفاً سياسياً واضحاً خالياً من الالتباس، وايضاً موقفاً انسانياً واجتماعياً. مبيناً انه تعلم من خلال تجربته ان افضل أشكال مقاومة الانحراف الاجتماعي والاضطهاد السياسي هو ان يكتب نصاً جيداً غير ملتبس او غامض كي لا يفقد عدداً من القراء.
أولى المتحدثين كانت الناقدة الدكتورة نادية هناوي التي أشارت الى عدة نقاط بينها مسرحة الحدث وعدم الفصل ما بين الفن والحياة، وتنوع الضمائر السردية، ومنها ضمير المخاطب الذي منح الرواية صفة الميتاسرد. وقالت: داخل الروائي احمد خلف ما بين القصة والمسرحية مداخلة تقنية. فاخذ من القصة جانبها الحواري، وحاول ان يوظفه من ناحية تعدد المصائر والأحداث وتصاعدها مع جانبها السردي، فانتج بذلك وحدة فنية هي عبارة عن نزعة حداثية طالما امتاز بها الكاتب. مشيرةً الى ان شخصية البطل محبوكة حبكاً سردياً، وبدت مسرحية في رسم أبعاد تحركاتها الواقعية وتصوير حالتها النفسية.
فيما أشار الناقد الدكتور سمير الخليل في ورقته "الاسترجاعات المتسارعة في تسارع الخطى" الى ان التسارع مصدر من فعل خماسي يستدعي وجود مشاركة، وفيه معنى للحدث. لافتاً الى ان الخطى هي لبطل الرواية المختطف والذي كان في منافسة مع المتسارعين في ملاحقته. وقال: اذن هو يسارع خطاه قياساً للخطى التي تلاحقه في حالة من المطاردة والحث العنيف، ما يحيل الى حضور في تقنيات النص، كما ان هناك حثا للقارئ على التسارع في متابعة الأحداث، حتى شعرت بأني لا استطيع التوقف عن القراءة، واستمررت في لهاثي لمتابعة السرد.
من جانبه بين الناقد علوان السلمان ان الرواية تستطلع التجربة الحياتية برؤية تنطلق في سياق فني يؤسس لأسئلة وقيم تسعى للاحتفاظ بدورها داخل نسق مجتمع متفاعل يتحقق بتطعيم حركاتها وإسناد روايتها وتشخيص هوية انتمائها الثقافي والاجتماعي بقنوات مفتوحة على دينامية التخييل الجمعي التي تكشف عن ألوان قيمية متعددة عبر المعطيات المضمونية التي تحققت بالفعل الانساني. وقال: النص هنا يكشف عن تجربة وجدانية موغلة في مناطق مسكوت عنها، والتي رسمت مسالك التخييل انطلاقاً من الشخصية وملفوظياتها لتخلق تفاعلية مع النص الذي ينفلت من منطقة الظل ليعلن حضوره المشع عبر الحاضر الراهن والحاضر الذاكرة والحاضر الهاجس. لافتاً الى ان الرواية جمعت أزمنة ثلاثة في زمن واحد، حضور يؤطر المتن الروائي والسياق السردي.
ولفت القاص والناقد عباس لطيف الى ان البحث عن الشكل هو أهم واخطر من البحث عن المضامين. وقال: الرواية تقترح منذ فرضيتها الأولى الاشتباك مع الواقع والتوغل في واقعية الحدث الذي نعيشه يومياً. منوهاً الى ان حدث الرواية تولد من لحظة تاريخية ملتبسة بواقع غرائبي يقترب من عالم السريالية، وهو الموت المجاني والظواهر المتمثلة في البشاعة البشرية والرداءة في القيم.
وأشار الناقد علي حسن الفواز الى ان الروائي احمد خلف كاتب ينحاز الى التجريد منذ مجموعته القصصية الأولى وحتى توغله في عالم الروايات. وقال: هذا الانحياز يعطيه قدرة على تصميم الأحداث، ولا توجد قصة له غير مصممة، أي أنها يتدخل فيها الوعي، او ان الوعي يسحب العالم السردي الى داخلها فنراه من خلال وعينا. وأوضح: احمد خلف في "تسارع الخطى" أراد ان يقدم من خلال وعيه التجريدي والفلسفي والشقي بمعناه الماركسي عالماً مضطرباً. ربما ان حدث الخطف هو حدث مركزي فجر اختطافات واغترابات اخرى. مشيراً الى ان شخصية البطل متشظية تبحث عن الحياة والوهم والأمجاد، لذا تعد لحظة الخطف تورطاً بالاصطدام مع الجريمة والفوضى التي تجتاح عالمنا الثقافي والسياسي والاجتماعي، ما ولد شعوراً لدى البطل في لحظة الاصطدام بهشاشته أمام قوة جديدة بدأت تتمظهر في حياتنا الجديدة، وبالتالي انتقلت هذه الشخصية الى تصميم زمن على مستويين، الواقعي الذي هو زمن الأحداث لما بعد 2003 وايضاً هو الزمن النفسي من خلال الإحساس بالموت والكآبة، وايضاً الأحداث المتوالية هي جزء من عملية الاغتراب او الاختطاف الداخلي الذي عاشته الشخصيات.
وعبر الناقد فاضل ثامر عن سعادته بالاحتفاء بالروائي احمد خلف الذي اغنى المكتبة بأعمال مهمة تشكل مصدر فخر للثقافة العراقية. وقال: أرى أنها رواية مطاردة وملاحقة كتبت بنفس كافكوي (نسبة الى فرانس كافكا)، فهناك عملية ملاحقة ومطاردة لانسان يعتقد انه بريء وهو ضحية ولا يعرف السبب تماماً مثلما ورد في رواية لكافكا حيث يجد البطل نفسه ذات صباح يقتاد من قبل الشرطة وبدأت معه عملية محاكمة لا يعرف أسبابها، كما هو الأمر في رواية احمد خلف. مشيراً الى ان الإيقاع متواتر وحتى اللغة التي كتبت فيها الرواية، إذ لم نجد فيها وقفات، وكأننا نقرأ قصة قصيرة مترابطة ومحبوكة فيها تصاعد مستمر لم يتح لنا حتى التقاط أنفاسنا.