وجوه شاحبة لأطفال ينتشرون في شوارع مدينة السليمانية لبيع المناديل أو أكياس النايلون أو الحلوى، هذه الأعمال هي مصدر رزقهم وإن كانت متعبة فأغلبهم من النازحين، دفعتهم الحاجة للعمل لتلبية متطلبات الحياة.
الطفل جيا محمد احد الأطفال الذين يعملون في أسواق
وجوه شاحبة لأطفال ينتشرون في شوارع مدينة السليمانية لبيع المناديل أو أكياس النايلون أو الحلوى، هذه الأعمال هي مصدر رزقهم وإن كانت متعبة فأغلبهم من النازحين، دفعتهم الحاجة للعمل لتلبية متطلبات الحياة.
الطفل جيا محمد احد الأطفال الذين يعملون في أسواق السليمانية، أن "الحاجة" هي من دفعته الى العمل لسد رمق شقيقيه وأبيه المريض، وفيما يشكو تعامل الزبائن معه لصغر سنه، يبدو أن أطفالاً نازحين آخرين في السليمانية اضطروا للعمل يعانون الوضع ذاته، فالسمة الغالبة عليهم هي النزوح من مناطقهم وعملهم الشاق وعدم تطبيق قانون مناهضة العنف الأسري بحقهم، لكنهم رغم اختلافهم يأكدون انهم سيعودون لمدارسهم ومناطقهم التي احتلها (داعش) بعد تحريرها. الطفل جيا محمد (9 سنوات) عادة ما يتجول في سوق أورزدي في السليمانية، يحمل صندوقاً يحتوي المواد الخاصة بصباغة الأحذية، يتذمر أحياناً حين لا يدفع له الزبون المبلغ الذي اتفقا عليه. ويقول محمد في حديث الى (المدى برس) إن "جني المال ليس سهلاً في هذه المدينة فالزبائن يشتموني حين أطالب بحقي، فمعظمهم هنا يحتقرون مهنتي، لذلك لا يدفعون لي المبلغ الذي أطلبه، ويتحججون بأنني لا أجيدها لأنني ما زلت صغيراً".
ويضيف محمد "أعيش مع والدي المريض وشقيقيّ اللذين ما زالا في المدرسة، ولأنني الأكبر اضطررت إلى العمل، بخاصة أن راتب الحماية الاجتماعية لا يكفي لسد كلفة علاجه".
ويتابع محمد "لم أجد خياراً غير العمل لأوفر احتياجات المنزل ومصاريف المدرسة، أكسب حوالي 25 ألف دينار يومياً وفي الأعياد وغيرها، أجني نحو 50 ألفاً وأحياناً أكثر، أجني أكثر من الموظف، الفارق الوحيد بيننا أنه أكمل دراسته فيما شاء القدر أن أترك المدرسة".
أطفال نازحون
لا يقتصر العمل في أسواق السليمانية على أطفال المدينة فحسب، بل إن نزوح الأسر العربية التي تسكن الخيم، وصعوبة الحياة، جعلاها تدفع أطفالها إلى العمل.
الطفل احمد يوسف نزح مع أسرته من قضاء تلعفر، استقر بهم المطاف في السليمانية، بعدما كانوا قد مكثوا لبعض الوقت في مخيم الخازر في أربيل، ودفعته ظروف أسرته الاقتصادية السيئة إلى العمل وأخوته في أسواق السليمانية لبيع أكياس النايلون للمارة في سوق الخضراوات.
ويقول احمد يوسف (10 سنوات) في حديث إلى (المدى برس)، "نزحنا من تلعفر بعد دخول تنظيم (داعش)، الى القضاء، وسكنّا مخيم الخازر المزدحم وقرر والدي القدوم إلى السليمانية لنسكن في مخيّم عربت للنازحين".
ويضيف يوسف أن "الأعمال غير متوفرة للنازحين وقد تعب والدي من البحث عن فرصة عمل هنا، والمشكلة أنه لا يجيد اللغة الكردية، كما أنه غير مرحب بنا للعمل هنا لذلك، اضطررت وإخوتي للعمل. فقد خسرنا سنتنا الدراسية لأنه لا يوجد مدارس للنازحين".
ويؤكد يوسف "بدأت وإخوتي العمل على تأمين مصاريف الأسرة، ووضعنا صار أفضل اليوم، حتى أن الناس يتعاطفون معنا، ومنهم من يعطينا المال من دون شراء أية شيء"، مشددا "أنا لست بمتسوّل بل أعمل بكد وسأعود إلى بيتي ومدرستي بعد خروج (داعش)".
تحذيرات من زيادة عمالة الأطفال والانتهاكات بحقهم ويقول الناشط في مجال حقوق الإنسان سامان أسعد، والذي يعمل في منظمة التنمية المدنية بالسليمانية "بدأنا نلاحظ انتشاراً كبيراً لظاهرة عمالة الأطفال في الإقليم، بخاصة بعد نزوح آلاف الأسر العربية إلى مدن الإقليم".
ويضيف اسعد أن "أطفالاً كثيرين يضطرون إلى العمل في مهن لا تتناسب وقدراتهم البدنية، والأخطر أولئك الذين يعملون في مجال البناء"، لافتا إلى أن "أطفالاً كثيرين يتعرضون لحوادث خطيرة وانتهاكات صارخة لطفولتهم، كالإهانة والضرب ومطاردة الأجهزة الأمنية لهم".
ويرى أسعد أن "أسباب تنامي ظاهرة عمالة الأطفال في الإقليم ترتبط بغياب تطبيق القوانين الخاصة بحقوق الطفل، أحدثها قانون مناهضة العنف الأسري الذي بدأ العمل به فعلياً في الإقليم منذ عام 2012، وينص في بعض فقراته على عدم السماح للأطفال بالعمل"، معربا عن "استغرابه من عدم تطبيق القانون حتى هذه اللحظة، ومحاسبة المسؤولين". بدوره، يقول مدير الشؤون الاجتماعية والضمان الاجتماعي في السليمانية محمد حمه صالح في حديث الى (المدى برس)، "ليس هناك حلول جذرية لعمالة الأطفال، كل ما نستطيع توفيره هو مبلغ 150 ألف دينار (120 دولاراً) للطفل العامل، على أن يتعهد بعدم العودة إلى العمل، وفق قانون الضمان الاجتماعي ورعاية الأسرة المعمول به".
ويؤكد صالح أن "مديرية الشؤون الاجتماعية تعمل على محاسبة أرباب العمل المخالفين للقوانين، والذين يشغّلون الأطفال دون الـ 16 عاماً، من خلال الاستعانة بفرق التفتيش الجوالة في قطاعات العمل المختلفة".
مطالبات بإعانة الأسر الفقيرة وخطة استراتيجية
من جهتها، تقول الناشطة سهى زنكنة في حديث إلى (المدى برس)، "علينا التعامل بواقعية مع هذه الظاهرة. جميعنا يعلم أن رواتب الحماية الاجتماعية لا تكفي لسد مصاريف شخص واحد، فكيف بأسرة، كما أن انتشار الفرق الجوالة للبحث عن الأطفال العاملين قد يخيفهم، ويمكن أن يؤدي إلى انخراطهم في أعمال غير مشروعة، بخاصة أنه يتم سجن بعضهم مع المجرمين".
وترى زنكنة، أن "الحل يكمن في إيجاد حلول جذرية لهذه المشكلة، وتوفير إعانة مادية للأسر الفقيرة تتناسب مع أوضاعهم الاقتصادية، بالإضافة إلى ضرورة أن تضع الحكومة المركزية خطة استراتيجية لمعالجة المشاكل الاقتصادية للنازحين العرب، وصرف رواتب تعينهم على الحياة الصعبة في إقليم كردستان".
يذكر ان عدد النازحين في اقليم كردستان قد بلغ اكثر من مليون ونص نازح يعيشون حياة صعبة في مخيمات التي تم إنشائها لهم في أطراف أربيل ودهوك والسليمانية. يذكر أن تنظيم (داعش) قد فرض سيطرته على مدينة الموصل، مركز محافظة نينوى،(405 كم شمال العاصمة بغداد)، في (العاشر من حزيران 2014)، كما امتد نشاطه بعدها، إلى محافظات صلاح الدين وكركوك وديالى وغيرها من مناطق البلاد، ما أدى إلى موجة نزوح جديدة في العراق.