في زمن خضوع وتسخير السلطة الرابعة لخدمة النظام وتحويلها الى واجهة أمنية ، استعار عدد قليل من عامليها قناع المخبر السري وكتابة التقارير، لقناعتهم بان العمل الإعلامي وبحسب نظريتهم ، يجب ان يكون دائرة أمنية ، وشعبة تابعة لجهاز المخابرات ، تعتمد موادهم المنشورة في صحفهم للإطاحة بالأبرياء خدمة للمصالح الوطنية، ومتطلبات الدفاع عن الأمن القومي ، وعادة ما يكون الوسط الثقافي هو الميدان الأفضل لنشاط أصحاب هذه النظرية ، والحق يقال ان بعض رؤساء التحرير تولوا مهمة حارس البوابة، ورفضوا نشر مواد كشفت مجساتهم وخبرتهم بانها تحمل إشارات واضحة لإدانة كاتب او أديب بث تذمره ومعاناته في قصة قصيرة او قصيدة في "نص مشفر ملغز " وقع بيد كاتب اعتاد التعاطي مع الHعمال الأدبية بالساطور بوصفه سلاحه الشخصي للدفاع عن الثوابت الوطنية بحسب مزاعمه .
الكتابة بالساطور وعلى الرغم من حدودها الضيقة انتشرت في الوسط الصحفي العراقي ، لوجود جهات تشجعها وتعتمدها لتصفية معارضيها ان وجدوا ، وملاحقة من يحاول اللعب بذيله بهدف إثارة الشغب وتهديد امن السلطة ومقابل ذلك هناك أموال تدفع بدنانير الطبع المحلي ذات الخط والنخلة والفسفورة مكافآت ومكرمات .
اواسط عقد التسعينات من القرن الماضي أقامت جامعة في احدى محافظات العراق أسبوعا ثقافيا ، ودعت مخرجا مسرحا شابا للحديث عن تجربته في تقديم عروض تناولت الحروب وانعكاساتها الاجتماعية ، المخرج تحدث عن خراب خلفته الحروب في النفوس والعلاقات الاجتماعية ، كان حديثه عاما وبعناوين عريضة ، لكن احد الحاضرين وكان يعمل مراسلا لصحيفة محلية في تلك المحافظة اعد مادة عن الندوة ، وأرسلها الى القسم الثقافي في جريدته ، وبعد ايام استفسر عن سبب عدم نشرها ، فاخبره مسؤول الصفحة بالتوجه الى بغداد فورا لمقر الجريدة ، وحين قابل المراسل رئيس التحرير سمع منه أسباب رفض المادة ، فسمع ان نشرها يعني توجيه إدانة للمخرج المسرحي ، بمعنى اخر انه سيكون بانتظار العواقب الوخيمة ، فعاد المراسل الى مدينته بمكافأة مالية صرفت له لتغطية نفقات سفره ونصيحة بالابتعاد عن تناول وتغطية الأحداث الثقافية بأسلوب الكتابة بالساطور.
الوسط الصحفي العراقي لم يتخلص بعد من أصحاب السواطير ، تضاعفت أعدادهم وأساليبهم ، ونشاطهم لم يقتصر على الصحف بل شمل الفضائيات والإذاعات ، والمواقع الالكترونية ، وتحت مظلة حرية التعبير هناك من رفع ساطوره بطريقة مبتكرة ، تهدف الى إثارة غضب جهة دينية ضد كاتب اوشاعر او موسيقي ، ووضعه في دائرة الإدانة ، لإهدار دمه ، بتهمة شتم زعيم سياسي يمتلك قاعدة شعبية واسعة ، او الإساءة للمقدسات ، والتهم تأخذ في بعض الأحيان شكل تقارير المخبر السري ، لإثارة غضب المناصرين والإتباع ثم حمل السلاح ، لشن صولة على من نشر رأيا في شبكة العالم الافتراضي لم يعجب أصحاب السواطير في زمن الطراطير .
سواطير الطراطير
[post-views]
نشر في: 31 يناير, 2015: 09:01 م