احتفل المستهلكون الأميركيون بالانخفاض الحاد في أسعار النفط، فخلال الأسابيع الأخيرة وفّرت أسعار الكازولين ( البنزين ) دولارين عن كل غالون للمجتمع الأميركي، و هذا يعني توفير أكثر من 500 دولار سنويا للعائلة الأميركية المتوسطة.
بالنسبة لصانعي السياسة ال

احتفل المستهلكون الأميركيون بالانخفاض الحاد في أسعار النفط، فخلال الأسابيع الأخيرة وفّرت أسعار الكازولين ( البنزين ) دولارين عن كل غالون للمجتمع الأميركي، و هذا يعني توفير أكثر من 500 دولار سنويا للعائلة الأميركية المتوسطة.

بالنسبة لصانعي السياسة المعنيين بالشرق الأوسط، كانت نتائج انخفاض أسعار النفط مختلطة، اذ يبدو ان الانخفاض يعني شد الحزام بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة الأثرياء في الخليج العربي، لكنه سيكون كارثياً بالنسبة لثلاثة بلدان لها علاقات متوترة مع الولايات المتحدة هي روسيا و إيران و فنزويلا. يتصور الكثيرون ان هذا يعتبر ربحا صافيا، لكن من الخطأ ان لا يتم تقدير التأثيرات العميقة لانخفاض أسعار النفط على مجموعة حلفاء آخرين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. هذه التأثيرات تتحرك ببطء و بشكل غير مباشر، لكنها من المحتمل ان تشكّل تحديا كبيرا للحكومات الإقليمية يماثل احتجاجات عام 2011 .
على المستوى المباشر، فان البلدان الفقيرة التي تستورد معظم نفطها تستفيد من انخفاض الأسعار. الكثير من حكومات الشرق الأوسط تدعم الكازولين ووقود الديزل والكهرباء، لذا فان انخفاض أسعار النفط العالمية تعني تقليص فواتير الدعم. هذا هو الجانب الجيد. مع ذلك، فان العديد من البلدان المستوردة للنفط في الشرق الأوسط هي بلدان مصدّرة للقوى العاملة، فمصر و لبنان و الأردن و المغرب و غيرها ترسل الملايين من القوى العاملة الماهرة للعمل في البلدان المصدّرة للنفط في المنطقة وهؤلاء يعيدون مليارات الدولارات سنويا الى عوائلهم في الوطن. حسب البنك الدولي، فان كمية الأموال المرسلة للوطن ازدادت بعد الأزمة المالية لعام 2008 ، و تضاعفت الحوالات المالية المرسلة الى مصر ما بين 2009 و 2013 حيث وصلت الى 18 مليار دولار في العام الواحد – أي أكثر من عائدات قناة السويس. في لبنان – التي تبلغ نفوسها 4.5 مليون نسمة – كانت قيمة الحوالات المرسلة 7.5 مليار عام 2013 .
بالنسبة للدول الغنية في المنطقة، كانت العمالة المتصاعدة للعمال الأجانب تخدم عدة أغراض، منها تحسين الخدمات المقدمة لأبناء وطنهم و دعم اقتصاد الحكومات التي تعتبرها بلدان الخليج دولاً صديقة. عندما تقلبت السياسة في 2011 ، ضخت الحكومات الغنية الأموال لتحسين حياة مواطنيها و جعلت العمال الأجانب و المستشارين يساعدون في بناء البنية التحتية و القدرات الحكومية. عند تدفّق الأموال فان الحكومات الغنية تكون سخية في الداخل و الخارج. لكن مع انخفاض أسعار النفط الى أقل من النصف، كما كانت في حزيران، فان الأموال لم تعد تتدفق. بعد ان جمعت احتياطات كبيرة ، يمكن للحكومات الغنية ان تتحمل انخفاض أسعار النفط لسنوات دون ان تقطع الفوائد و الإعانات عن مواطنيها. لكن مع هذا فمن المؤكد ان تنخفض ثلاثة أنماط من الإنفاق. أولها ان الثقة بانتعاش الأسعار تكون ضعيفة جدا بحيث لا يمكن الحفاظ على أنماط التشغيل الحالية للقوة العاملة الأجنبية. لا خوف من ذلك، لكن الطموحات ستتقلص و المشاريع تتوقف، و عندما يحصل ذلك سيغادر العمال الأجانب و تنخفض الحوالات المالية. هذا هو ما حدث في أجواء ما بعد 2008 عندما تراجعت أسعار النفط من 140 الى 40 دولار للبرميل الواحد في فترة قصيرة و هو ما سيحدث فيما بعد.
في الوقت ذاته، ستنقطع مليارات الدولارات التي ترسلها حكومات الخليج الى حلفاء الولايات المتحدة مثل الأردن وعمان والبحرين منذ عام 2011 و كذلك عشرات المليارات التي كانت تتدفق الى مصر من الخليج – أولا من قطر لدعم حكومة الأخوان المسلمين برئاسة محمد مرسي، ثم من الإمارات و السعودية و الكويت لدعم حكومة عبد الفتاح السيسي الوطنية العلمانية.
كان نهج دول الخليج تجاه الانتفاضات العربية هو التعامل معها على أنها ظاهرة اقتصادية، و كانت تنفق مجانا لمنع انتشار عدوى الاضطرابات في المنطقة. الآن أخذت الدول الغنية تركّز أكثر على الداخل، و عليها تحديد أولويات، و أثناء قيامها بذلك فان مشاريع مساعدات الدول المجاورة ستأخذ وقتا أكثر من المتوقع لذا فان احتياطات النقد الأجنبي أخذت تتضاءل مرة أخرى، حتى ان رويترز نقلت الأسبوع الماضي قول أحد الاقتصاديين بأنه لا يتوقع المزيد من المساعدات من دول الخليج .
هناك عنصر آخر سيلعب دورا في هذا الموضوع. بعض الدول الأكثر هشاشة – اليمن و ليبيا و العراق – تواجه نقص الإيرادات من مبيعات النفط في وقت تحاول فيه تأسيس تحالفات حاكمة. انخفاض أسعار النفط في هذه الدول المصدّرة للنفط يعني ان لديها موارد أقل للإنفاق على رعاية مواطنيها أو على شراء الأسلحة، و كلاهما يقلّص قدرة هذه الحكومات على مواجهة المجاميع المسلحة مثل داعش و أنصار الشريعة و القاعدة في الجزيرة العربية والتي تعادي القوى السياسية المصطفة مع الولايات المتحدة في كل بلد من هذه البلدان و تستهدف المواطنين الأميركان فيها .
بالنسبة لإدارة أوباما، فان الحقيقة الناجمة تشكّل معضلة غير مريحة. في عام 2011 كانت وجهة نظر الإدارة هي ان رد الفعل الوحيد على عدم الرضا الشعبي في العالم العربي هو عملية سياسية أكثر شمولا، لذا دفعت تجاه بعض الاستيعاب للأحزاب السياسية الدينية في الشرق الأوسط كجزء من الانفتاح الأوسع للفضاء السياسي، فتم إبعاد زعماء مثل حسني مبارك و زين العابدين بن علي عن مناصبهم. كسبب جزئي لهذه النتائج المبكرة، كان حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة يشككون بالنهج المتمحور حول السياسة، فاتخذوا إجراءات صارمة ضد السياسة بدلا من فتح المجال لها و دفعوا تجاه الفوائد الاقتصادية. نجح نهجهم الاقتصادي لفترة، لكن مع تراجع أسعار النفط فستواجه حكومات الدول الفقيرة تحديات جديدة. أحد هذه التحديات الرئيسية هو انه بعد عام 2011 لا يشك أحد في ان الزعماء الذين يفشلون في تحقيق نتائج جيدة يمكن عزلهم. بالنتيجة أسقطت الحشود آخر زعيمين لمصر لعدم تحقيقهما نتائج جيدة. من دون متابعة مسار سياسي واضح، مع تناقص المساعدات الاقتصادية على نطاق واسع، فالمتوقع على المدى القريب هو المزيد من التقلبات . بالنسبة للولايات المتحدة، من المحتمل ان يحتاج الشرق الأوسط للمزيد من الاهتمام في السنوات القادمة. أمر غريزي ان يتم الإعلان بأن المنطقة ميئوس منها و لا داعي لتكريس الجهود لها، لكن هذا سيكون خطأ فادحا .

 عن مركز الدراسات الدولية والستراتيجية