TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > "مركـــــة" جـــت

"مركـــــة" جـــت

نشر في: 16 ديسمبر, 2009: 05:21 م

محمد درويش علي انها حالة غريبة بل وغريبة جدا ًوشاذة، أن يأكل الانسان من علف الحيوان، ليدرأ به جوع عائلته التي ابتليت ببطالة معيلها. والأغرب من كل هذا أن هذا الانسان يعيش في بلد يسبح على بحر من النفط، أي انك أينما ضربت قدمك تجد نفطاً!
ففي التحقيق الذي أجراه الزميل شاكر المياحي عن منطقة أم الذبان، الواقعة على أطراف بغداد، وبالتحديد قرب معامل الطابوق، في طريق بعقوبة القديم،اثار أكثر من سؤال وجعل كل من قرأ الموضوع يصاب بالذهول والحيرة، لما تعانيه هذه الشريحة من أبناء المجتمع العراقي في هذه المنطقة، وهي تطبخ الجت ليكون مرقاً تعيش منه العوائل هناك، أي ان هذه العوائل لاتجد قوتاً أفضل من الجت لرخص ثمنه. وتعيش هذه العوائل في بيوت من الصفيح وبين أنقاض مزابل بغداد، دون ان يفكر بهم أحد، أويسأل عنهم مسؤول، أو عضو في البرلمان، لكي يحرك ساكناً باتجاههم. وعندما فتحت اذاعة دجلة (تلفوناتها) أمام المواطنين العراقيين سواء الذين يعيشون في الداخل أم في الخارج، لابداء ارائهم في الموضوع، أصيبوا بالذهول والدهشة من هذه الحالة المزرية، وقرر عدد من المقيمين في الخارج فتح صندوق لمساعدة هؤلاء المنكوبين في وطنهم بالجوع والحاجة والسكن بين المزابل. وأنا أقرأ التحقيق هذا تذكرت الأموال التي تسرق وتهدر وتصرف على الليالي الحمر والمجون والفساد، وهي بالتأكيد من حصة هؤلاء المساكين وغيرهم من الذين أكتووا بكل النيران وفي كل العصور، ولم يحققوا أبسط الشروط الانسانية في العيش، وانما بقوا يعيشون على أقل من الهامش، تاركين كل شيء للقدر كي تتحسن حياتهم. ياترى كم منطقة أخرى في بغداد والمحافظات تعيش مثل هذه الحالة المزرية،التي يعيشها سكان أم الذبان الذين لاحول لهم ولاقوة، ولاأحد يهتم بها أويسمع شكاوى سكانها، وأنينهم في ليل موحش يغمسون فيه خبزهم بـ(مركة) جت، وينامون على رائحة النفايات، وبين الديدان والحشرات، ويحلمون بوطن سعيد يوفر لهم لقمة عيش من أكل البشر وليس من أكل الحيوانات وفضلاتها؟ سؤال مهم وضروري يراود كل من قرأ الموضوع: هل يعلق المرشحون صورهم في مثل هذه الأماكن ويدعون الى انتخابهم ويؤملون سكانها بغد جميل، وحياة آمنة لاتشوبها شائبة، وينامون على ضوء القمر ويصحون على هديل الحمام وزقزقة العصافير؟ ان الموضوع بحاجة الى معالجة سريعة لوضع أناس عاشوا من أجل وطنهم، ولم يتخلوا عنه في أحلك الظروف، لكي يشعروا بانسانيتهم، لاأن تتركهم الحكومة عرضة للأمراض والنكبات، ويأكلون من علف الحيوانات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram