TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > إشكالية الحداثة وما بعد الحداثة! - 2

إشكالية الحداثة وما بعد الحداثة! - 2

نشر في: 2 فبراير, 2015: 09:01 م

خرجت (المابعد حداثية) من رحم الحرب العالمية الثانية ولتصل الى ذروتها في اوائل الثمانينات من القرن الماضي وكانت ومازالت مصطلحاً زئبقياً لايمكن الإمساك به وتحليل ملامحه بوضوح، وهي كسابقها (الحداثية) ثورة ضد جميع المفاهيم والنظريات السابقة بل انها راحت تقف بنفسها ضد نفسها، ومع ما ذكر عن ظهورها وذروتها فهناك استحالة في تحديد زمنها وعلي القول انها نشأت نتيجة الاضطراب الفكري والضياع الذي مر به الانسان منذ أواسط القرن الماضي حيث راحت تتضارب النظريات النفسية والاجتماعية والحركات السياسية والصراع بين الاحزاب الشيوعية واليسارية من جهة والأحزاب المحافظة واليمينية من جهة اخرى. وما ان تنامت الحركة الاشتراكية في معظم أنحاء العالم وطبقت أنظمتها في بلدان كثيرة بقيادة الأحزاب الشيوعية والسرعة التي انهارت بها الأنظمة الاشتراكية وصعود التيارات الدينية وماحصل من تقدم في التكنولوجيا وما ساد من فوضى في النظم الاقتصادية، كان لابد من ان ينعكس مثل ذلك التشويش الفكري في تنظيرات (مابعد الحداثية) وفلسفة اصحابها حيث العدمية والفوضوية وعدم تحكيم العقل والذاتية واتصفت تقنياتها في الأدب والفن بالتفكيكية والتشظي وخلط الأساليب والتسطيح وعدم الالتزام بالكلمة المنطوقة واستبدالها بلغة بصرية وحركية وإلغاء ماسمي بالمسافة الجمالية وإحلال المشاركة الفعلية للمتلقي بالعمل الفني والمحاكاة الساخرة (البارودي).
يقدم (ايهاب حسن) وهو أستاذ النقد في احدى الجامعات الأميركية، وفي مقالة له بعنوان (قضية مابعد الحداثية) نشرت عام 1980 خمس أفكار عن الأدب واللغة والثقافة من منظور مابعد الحداثية! أولاها، تجاوزت الصيغة الانسانية في عالمنا الحاضر الذي تتصارع فيه قوى الرعب والمذاهب الشمولية والتفتت والتوحد والفقر والسلطة! ثانيها، التبشير بظاهرة العولمة من حيث وحدة الكرة الأرضية واتحاد الفرد مع الجميع ولظاهرة اتساع الوعي مع التفجر التكنولوجي! ثالثها، إيجاد لغة بديلة عن اللغة المنطوقة، لغة ليست مجرد وسيلة للاتصال. رابعها، ايجاد نمط جديد من التقاء الفن بالمجتمع حيث تتميز مابعد الحداثية عن الحركات الطليعية السابقة مثل المستقبلية و الدادائية والسوريالية. خامسها، التطلع الى الأشكال المفتوحة والمتفائلة والطموحة والمتحررة من أية قيود.
وهكذا تسود ظاهرة التشظي في الخطاب الأدبي او الفني وايديولوجيا التصدع التي تقود الى التحلل واستنطاق الصمت، وفي المابعد حداثية تسود "فكرة استحالة التحديد والتشرذم والتشظي ونقص الأعمال الأدبية التقنية واللاعمق واللاتمثيلي واللاتقديمي والمفارقة والتهجين والاحتفالية والأداء واللامفارقة، وواضح جداً عامل التناقض في جميع تلك الأفكار كما واضح جداً التشويش والفوضى، وربما يعزوها البعض من أصحاب مابعد الحداثية الى الفوضى الخلاقة، وهكذا في الختام تؤكد الأفكار المتناقضة السابقة صفة الزئبقية والهلامية في تيار مابعد الحداثية.
وفي الحقل المسرحي لنستذكر اولئك الذين ينتمون الى تيار مابعد الحداثية، انهم مجموعة من المخرجين المخضرمين الذين تراكمت تجاربهم الفنية وراحوا يمارسون تجارب جديدة يعتقدون انها تناسب متطلبات العصر وتستجيب لمعطياته، انهم (روبرت ويلسون) و (ريجار فورمان) و (بيتر بروك) و (جوان اكالاتيس) و(ايريان مينوشكين) و (بيتر سيلارز) ومن حق هؤلاء وغيرهم من اصحاب الخبرة المتراكمة ان يجربوا أساليب جديدة في الانتاج المسرحي . وقد لاحظ الدارسون والنقاد ان مخرجي مسرح مابعد الحداثة قد اهتموا بالسميوطيقا وتركيب أعمالهم وعناصر انتاج المسرحية على وفق (الدال والمدلول) وتقنيات تقود الى تعدد المعاني والى التأويل والتخمين والحدس، ولذلك يصبح من الصعب تحليل أعمالهم المسرحية على وفق المعايير النقدية المألوفة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram