د. علي ابراهيم الرحال والخلفية الفكرية لمحمود احمد السيد لايمكن الحديث عن محمود احمد السيد رائد القصة العراقية دون المرور بـ(حسين الرحال) رائد الفكر التقدمي في العراق، والعكس صحيح، فقد جمع الرجلين اكثر من وشيجة، فهما من جيل واحد حيث ولدا عام (1903) ولكن لم يلتق السيد بالرحال الاّ عندما بلغ العشرين من عمره وكان الرحال قد عاد توا من المانيا، حاملا معه العلوم التي تعلمها في ثانوية المانية في برلين
حيث استفاد من تجربة شيوعيي (سبارتكيوس بند) الذين اقاموا متاريسهم في شوارع المدينة عام 1919، ويعد الرحال اول ماركسي في العراق حيث قرأ كتاب لينين (الاستعمار اعلى مراحل الرأسمالية) و(الدولة والثورة) وصحيفة (اللومانتيه) وجرائد اخرى منها (كابيه دي بولشفيك) وقرأ شعر (ناظم حكمت) وروج الفكر الاشتراكي من خلال اقناع صاحب المكتبة العصرية (محمود حلمي) باستيراد النشرات الاشتراكية، وقد اعجب محمود احمد السيد بالرحال من اللقاء الاول عندما سمعه مصادفة يناقش قضية فلسفية عميقة: كل شعور يأتي من الدماغ الى الحواس فهو كاذب، وكل حس يصدر من الحواس الى الدماغ حس صادق،، وبواسطة الحواس يتعرف الانسان على الاشياء الموجودة موضوعيات خارج دائرة دماغ الانسان وهي اجابة على سؤال الفلسفة الاساسي الذي جعل السيد ينحو منحى مغايرا للأفكار التي استقاها من جامع (الحيدرخانه) حيث نشأ وترعرع.. لقد امتهن الرحال والسيد الكتابة الصحفية وان تميز السيد عنه بكتابة القصة والرواية فضلا عن كتابته للمقالات بل ان مقالاته تحتل موقعا مهما في تاريخ المقالة في الادب العراقي الحديث، كما تكتسب اهمية خاصة من كونها تعكس الكثير من واقع الحياة الفكرية والادبية والاجتماعية والسياسية في العراق بين الحربين، وكلاهما السيد والرحال، عشقا الحرية والتقدم، وكانا رائدين في فهم واستيعاب الجديد، لقد كان الرحال مطلعا على ما كتبه (الافنرج) على حد تعبيره- وعلى الروايات العربية (المصرية والسورية) وله معرفة ببدايات القصة العراقية فقد قرأ (الرواية الايقاظية) لسليمان فيضي الموصلي وهو عليم بجوانب الفن القصصي وتتضح امكانياته في هذا الجانب النقدي من خلال المقدمة التي كتبها حول رواية محمود احمد السيد البكر (في سبيل الزواج) وقد تعززت اواصر الصداقة بينهما حيث اهدى روايته الثانية (مصير الضعفاء) الى الحر الابي حسين بك الرحال.. وان هذه الصداقة وصلت الى حد المشاركة في كتابة مقالات يتوافر فيها التكامل الذي تقتضيه طبيعة الموضوع الذي ييستدعي معرفة اللغة الفرنسية التي تتوافر لحسين والتمكن من اساليب العربية الذي يتميز به محمود، ويرى ارشد الكاظمي، ان حسين الرحال حاول التأثير على محمود احمد السيد ليتجه في كتاباته الى معالجة الموضوعات الاجتماعية بدلا من القصص ولكنه لم يفلح في مسعاه هذا وهذا الكلام ليس دقيقا ان لم يكن خاطئا فقد كتب محمود احمد السيد عدة مقالات صدرت له في كتاب تحت عنوان (القلم المكسور)، حيث نرى في مقاله (آراء وافكار) دعوة لقلب الانظمة والقوانين لكي تستريح البشرية المعذبة وفي نفس المقال يطرح فكرة اراها متقدمة على زمانها وهي كل حركة تقاومها بمثلها ويشرح ذلك بقوله،، هذه قاعدة يجب ان يعلمها البشر جيدا، فلا يحاول ان يقاوم التيار الفكري بالنار والحديد بل اذا اراد فليوجد تيارا فكريا ثانيا يصنعه ازاء الاول في معترك الحياة، حينئذ يرى كيف يسقط الفاسد، ويثبت العالم الصحيح، وهي دعوة مبكرة للصراع السلمي الحضاري بين التيارات الفكرية والسياسية لو جرى الاخذ بها لتجنبنا الكثير من الدماء والدموع منذ العشرينيات والى يومنا هذا. وبسبب عمق العلاقة بين الرجلين، جعل السيد من شخصية جلال خالد في روايته الموسومة بهذا الاسم معادلا موضوعيا او مزيجا من شخصيتي السيد والرحال فكلاهما زارا الهند وتأثرا بالاجواء السياسية وشعرا بالفوارق الطبقية العميقة، وتلمسا نضال العمل والكادحين من اجل تحقيق مطالبهم العادلة، وتأثرا بشخصية (ف. سوامي) وتعلما منه ان النضال لايمكن ان يكون الا في الوطن نجد ذلك في الحوار الذي دار بين جلال خالد وبينه الذي قال: نحن الذين ندعي بالوطنيين في الهند لانبرحها ردا على جلال خالد الذي برر الهرب من الوطن بالحرية المستلبة والسجناء الذين يكسرون الصخر على قوارع الطرق. ومما يؤكد ان جلال خالد هو حسين الرحال يذكر السيد في مقدمة الرواية: حقيقة، استندت في كتابتها الى مذكرات صاحبي جلال خالد الخاصة والى رسائله الى اصحابه، ورسائلهم اليه.. وقد نشر هذه الرسائل في الفصل الثاني من الرواية بعد ان اذن له جلال خالد اي حسين الرحال كما هو واضح، واستند في كتابتها الى احاديث الكاتب الهندي (ف. سوامي) وهناك اشارة في الرواية الى زيارة الاثنين معا السيد والرحال الى الهند، قدر لي ان ازور الهند كما زارها صاحبي جلال خالد، وتشير الرواية الى تقييم علمي لطلبيعة المجتمع العراقي في ذلك الوقت حيث ترد العبارة التالية: ان المثقفين الذين درسوا العلوم في اوربا والحاملين خلاصة ثقافة العصر الحديث هم طلاب الاستقلال للهند، والحياة الحرة الهانئة والشعوب الشرقية المظلومة كلها، وكلاهما (السيد والرحال) دخلا في حلقة من المثقفين الثوريين كانت تحرص على ان تميز اشتراكيتها، وتبحث عن تفسيرات ماركسية للاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها، وتعمل على نشر ما تتو
المرتكزات الجمالية والفكرية .. في قصص وروايات محمود احمد السيد
نشر في: 16 ديسمبر, 2009: 05:37 م