اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > البنفسج الأحمر.. عودة الوعي للدراما العراقية

البنفسج الأحمر.. عودة الوعي للدراما العراقية

نشر في: 4 فبراير, 2015: 09:01 م

كان يجب على الدراما المحلية ان تنتظر زمناً طويلاً، قبل ان تسلك الطريق الصحيح لها، والمتمثل هنا بمسلسل استوفى كل عناصر النجاح المطلوبة (البنفسج الأحمر) . وكنا في هذا المكان قد اشرنا الى ان الدراما المحلية لا تنقصها المواهب المبدعة ، كما ان لدينا مخرجين لهم بصماتهم الخاصة بحكم تراكم الخبرات، ومع توافر الفنان الجيد والإنتاج الجديد والذكاء الذي تتعامل عبره شركات الإنتاج في إنجاز الأعمال المقدمة إليها، فإن لهذه مجتمعة ان تعزز من حضور الدراما المحلية بالشكل الذي نتمناه. فالمنتج مطالب بأن يتعامل مع الفن بعقلية واعية ، ثم فنان يعتني باختياراته ، وكتّاب نص تحمل نظرتهم الإبداعية قدرة على معالجة القضايا الإنسانية بمضامين جادة ومختلفة أيضاً.
كل هذه الاشتراطات اجتمعت في هذا المسلسل وأهلته في ان يشكل منعطفاً مهماً في مسيرة الدراما العراقية..
ولست بصدد إخضاع هذا العمل لموشور النقد في هذا الحيز، فذلك يتطلب وقفة اخرى تفي هذا العمل حقه ... ولكننا نقف عن عدد من الأمور التي منحت هذا العمل شرف كتابة تاريخ جديد للدراما العراقية.
ولطالما كانت فكرة وكتابة السيناريو هي الجانب الأكثر ضعفا في الدراما المحلية مع وجود استثناءات تعد على أصابع اليد، فإن هذا الجانب في (البنفسج الأحمر) وجد عافيته مع كاتب كان في مستوى مسؤولية ما انجز تاريخياً وفنياً..
فطنة ناصر طه (مؤلف العمل) تكمن بشكل أساس في انه تعامل مع حدث او أحداث تخضع لشروط تاريخية واجتماعية ونفسية بحساسية بالغة .. فأحداث العمل تخص التاريخ القريب الذي لم يستنفد بعد تداعياته على اكثر من مستوى .. وهي مهمة لاشك يكتنفها الكثير من الصعوبة، ذلك ان الدراما المحلية لم تقاربها بالشكل المطلوب من جهة قراءة علمية لها ولآثارها، بل بوصفها وثيقة جامدة لا يمكن التحرر منها.. ما جعلها قاصرة على تقديم تفسير درامي خلاق للحدث والشخصية بما يرتقي لمستوى الصدقية الفنية..
فناصر طه تعاطى على أساس تبني الوثيقة كضرورة ثم التحرر منها .. وما ساعده على ذلك انه هو نفسه شاهد عيان بل ومنفعل في الأحداث التي مسحها العمل ابتداءً من حرب الثماني سنوات وليس انتهاءً بالفوضى السياسية والاجتماعية التي يعيشها العراق الآن .. هو إذن لم يرسم لنا أهوال الحرب، بل رسم لنا أثرها المدمر، وهو الفعل الأقسى .. وهو ايضاً قدم شخصيات واضحة بواقعها وخلفياتها الاجتماعية والنفسية .. ومن الطبيعي ان نتفهم سايكوباثيتها وسلوكها المنحرف .. تسمية جبار (حكيم جاسم) وستار (مناضل داود) بما تنطويان عليه من نزعة تدميرية وعنفية، هما نتاج طبيعي لزمن قاس وغير آدمي عاشاه في شبابهما، حيث الحرب، وقسوة العوز في الحصار، وهكذا مع باقي الشخصيات التي عادة ما كانت تفلت من كتاب آخرين وتبقى معلقة في سياق الحدث.
بمثل هذه الحساسية والوعي نسج المؤلف طه حكايته مثلما ينسج حائكو القاشان الفارسي بساطهم بحرفية عالية يتجلى فيها الجمال.
فارس طعمة ، صانع ماهر آخر، وجد في حكاية ناصر طه ما يشحذ أدواته في الإخراج ليضعنا أمام معالجة ذكية ، حيث قدم رؤية اخراجية عالية جديرة بالسيناريو المحكم بل متناغمة معه حداً كان فيه المتلقي أمام عمل وكأنه لصانع واحد .. كاميرا فارس طعمة بدأت بالبراعة نفسها التي انتهت بها مهارة المؤلف في نسج حكايته .. ليقدم لنا لقطات ومشاهد حافلة بتكوينات بصرية غاية في الذكاء، أسهمت في فضح دواخل الشخصيات الرئيسة في العمل..
وليس بعيداً عن إدارة فارس طعمة .. تبارى مجسدو حكاية البنفسج الأحمر بإدائهم ليقدموا افضل ما لديهم .. وهو ما افتقدته الدراما العراقية منذ ابراهيم عبدالجليل والنسر وعيون المدينة .. حيث تحرر الجميع من سطوة الأداء المسرحي التي طالما طبعت أداء ممثلينا .. ففيما اكتشف حكيم جاسم ان التلقائية في الأداء لا تعني كمال الأداء، فلجأ الى استبطان الشخصية و(تمثيلها) فكنا نسمع صوته حتى في مرحلة خرسه، مقدما واحدا من افضل أدواره... كان مناضل داود قد تماهى مع شخصية (حسن ديكارت) الذي اقنعنا بعبثية الحرب، مثلما اقنعنا بانغماسه في أجواء الشر المخيمة على الأحداث.. والأمر نفسه يقال مع باقي ممثلي العمل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram