يعرف الناس اليوم جيداً قصص قائمة هوليود السوداء في الأربعينات و الخمسينات من القرن الماضي. فهناك الكثير من الكتب، و المقالات، و الأفلام الوثائقية حول حياة الممثلين، و كتّاب السيناريو، و المخرجين الذين اعتبرتهم الستوديوهات غير صالحين للتعامل معهم بسبب
يعرف الناس اليوم جيداً قصص قائمة هوليود السوداء في الأربعينات و الخمسينات من القرن الماضي. فهناك الكثير من الكتب، و المقالات، و الأفلام الوثائقية حول حياة الممثلين، و كتّاب السيناريو، و المخرجين الذين اعتبرتهم الستوديوهات غير صالحين للتعامل معهم بسبب صلتهم ــ الحقيقية أو المزعومة ــ بالحزب الشيوعي.
مثلما هي معروفة أيضاً قصص سينمائيين، مثل رونالد ريغان، و إيليا كازان، و بَد شولبيرغ، زودوا لجنة الكونغرس الخاصة بالنشاطات المعادية لأميركا بأسماء مَن اعتقدوا بأنهم شيوعيون، ، و كذلك مصير أولئك الذين رفضوا أن يشهدوا و ذهبوا للسجن بتهمة ازدراء الكونغرس، مثل دالتون ترَمبو و رنغ لاردنر، كما يقول الكاتب و المنتج السينمائي توم تيشولز في عرضه هذا لكتاب ريبيكا برايم ( منفيو هوليود في أوروبا : القائمة السوداء و الثقافة السينمائية للحرب الباردة ).
و هناك فصل آخر من الحكاية يعرضه المسلسل السينمائي" منفيو هوليود في أوروبا " من إنتاج أرشيف UCLA التلفزيوني السينمائي The University of California, Los Angeles UCLA.
و يُيرز المسلسل أفلاماً لجون بيري، و نورما بيرزمان، و جوزيف لوسي، و دونالد أوغدين ستيوارت، و آخرين، و كلهم كانوا كتّاباً، و مخرجين، مضوا إلى أوروبا و واصلوا العمل هناك بأسمائهم، متقدمين بعملهم المهني أحياناً إلى النقطة التي اعتُبروا عندها فنانين أوروبيين. ( و قد عاد دميتريك، مثلاً، من المنفى في عام 1950 و بعد أن قدم أسماءً سُمح له باستعادة عمله في هوليود ). و تشارك في رعاية هذا المسلسل ريبيكا برايم التي يحكي عملها "منفيو هوليود في أوروبا : القائمة السوداء و الثقافة السينمائية للحرب الباردة ( مطبعة جامعة روتغيرز، 2014 ) الحكاية غير المحكية سابقاً عن حياة و تأثير هؤلاء السينمائيين".
و كما يبيّن جان ــ كريستوفر هوراك مدير الأرشيف المذكور، فإن كثيراً من المنفيين نجحوا عن طريق الإتيان بالفيلم الأسود إلى الأفلام المعمولة في أوروبا و صنع حكايات أخلاقية لعصر ملتبس أخلاقياً. و كما هي الحال مع أجيال من المهاجرين و المنفيين، لم يكن الجميع يقوم بالتكييف على نحوٍ ناجح أو بالطريقة نفسها. و يعرض المسلسل ردود الأفعال المختلفة التي عاشها ثلاثة منفيين في أوروبا: المخرج و الكاتب جول داسين، و كاتبا السيناريو بَين Ben بارزمان و زوجته نورما.
و قد ولد داسين في ميدلتاون عام 1911، و انضم للحزب الشيوعي في الثلاثينات لكنه تركه بعد توقيع ستالين معاهدة عدم اعتداء مع هتلر. و كان داسين مخرجاً ناجحاً لأفلام هوليودية في الأربعينات مثل شبح كانرفيل، و المدينة العارية، و طريق اللصوص العام. ثم ورد اسمه في القائمة السوداء، فانتقل إلى فرنسا، و مرت خمس سنوات قبل أن ينتج فيلماً آخر، " ريفيفي Rififi "، الذي أخرجه و شارك في كتابته، مكيّفاً قصته عن رواية فرنسية. و قد فاز بجائزة مهرجان كان عام 1955 لأفضل مخرج عن فيلمه هذا، حيث التقى أيضاً الممثلة اليونانية ميلينا ميركوري التي جعلها شهيرةً في فيلم " ليس يوم الأحد أبداً Never On Sunday " عام 1960 و التي تزوجها عام 1966؛ و ظلا متزوجين حتى وفاة ميركوري عام 1994. و بعد وفاتها، أدار داسين " مؤسسة ميلينا ميركوري "، التي راحت تضغط على المتحف البريطاني لإعادة التماثيل اليونانية الكلاسيكية. و ظل حتى وفاته عام 2008 على علاقة وثيقة باليونان و السياسة اليونانية، إلى الحد الذي جعل كثيرين يظنون أنه يوناني. و يمكن القول إن داسين قد تقبّل المنفى، و تمثَّله و لم يعد ينظر إلى الوراء من الناحية المهنية.
أما بيرزمان، فلم يتأقلم مع أوروبا أبداً. و قد ولد في تورونتو بكندا عام 1910، و كان صحافياً و روائياً قبل مجيئه إلى هوليود. و في أعقاب الكساد العظيم، انضم للحزب الشيوعي. و في عام 1942، و بيما كان يذهب إلى بيت كاتب السيناريو و المخرج روبرت روسين، التقى زوجته المستقبلية نورما، التي كانت أيضاً صحافية و تحولت إلى كتابة السيناريو. و قد انضمت هي الأخرى للحزب الشيوعي. و فاز بين بارزمان بالاستحسان مع فيلم " الصبي ذو الشعر الأخضر " في عام 1948. و في السنة التالية، غادر هو و نورما إلى أوروبا بعد أن أبلغتهما مارلين مونرو بأن هناك شرطياً يتوقف بسيارته عند نهاية شارعهما و يراقبهما في الرواح و المجيء، و حذّرهما غروتشو ماركس بأنهما على وشك أن يضافا للقائمة السوداء. و قد قضى الاثنان وقتاً في باريس ثم استقرا في جنوب فرنسا. و استمر بين بارزمان في كتابة السيناريوهات لكنه ظل يشعر على الدوام بوطأة المنفى. و كان يعاني أحياناً من الاكتئاب، و يشك في الغالب بأن وكلاء الولايات المتحدة يتجسسون عليه و على زوجته. و في حينه، فكر كثيرون بأنه ظنَّان و لكن بعد سنوات كثيرة اكتشف بارزمان أن وكلاء مكتب التحقيقات الفيدرالي كانوا يتعقبونهما حقاً.
و في عام 1960، أعاد صياغة نفسه بنجاح كبير ككاتب خيال علمي، و على نحوٍ ملحوظ مع رواية ( خارج هذا العالم )، المعروفة أيضاً بـ " الصدى x ". و كتب، خلال النفي، مسرحيات تاريخية أوروبية تجارية مثل " السيد El Cid "، 1961، لصوفيا لورين. و استطاع أخيراً، على كل حال، أن يمرر هواه السياسي في إعادة كتابة عمل كوستا ــ غافراس السياسي المثير " زد Z "، 1969.
و في السبعينات، عاد إلى الولايات المتحدة، و مات في عام 1989، في سانتا مونيكا. و كان المنفى قد جرد كتابته للسيناريو من زخمها، و أعاقه على المستوى الانفعالي.
عن: Jewish Journal