TOP

جريدة المدى > عام > عن 8 شباط.. بلا لائمة رجاءً

عن 8 شباط.. بلا لائمة رجاءً

نشر في: 1 يوليو, 2015: 09:01 م

في دفتر ذكرياتي اجنحة تحاول أن تفر، أخبئها تحت الضلوع ، مثل قناديل من نار ، تموز 58 ، كان املاً يبشر بالحياة، ماتت سواقيه وحتى الذكريات ، ترك في قلوبنا جرحاً يوشوش بالمرارة ، دم ينزع من كل نازفة وشريان . يا لعنة كل تواريخ المسحوقين ، حين نحرق شبابنا

في دفتر ذكرياتي اجنحة تحاول أن تفر، أخبئها تحت الضلوع ، مثل قناديل من نار ، تموز 58 ، كان املاً يبشر بالحياة، ماتت سواقيه وحتى الذكريات ، ترك في قلوبنا جرحاً يوشوش بالمرارة ، دم ينزع من كل نازفة وشريان . يا لعنة كل تواريخ المسحوقين ، حين نحرق شبابنا بسراج الموت بلا ثمن .
من سيسأل بحرقة عن كارثة اخرى وقعت في 8 شباط من عام 1963 ، من سيسأل عن مؤجج هذا الحريق ؟ ومن أي منشأ جاء هذا الرماد.. من .. من..؟!
كل سكان العراق يتوسدون مسلة الاحزان ، منذ عهد سام وحام ، لماذ هذا الدم المصلوب في كل الشوارع ومدافن الموتى في كل باب ، ما ثمن ان يباع الوطن ب(فلسان) ؟!
كان وجه امي يخبئ عاصفة تحدٍ ، حينما نقلوا اليها خبر احكام صدرت عن المجلس العرفي لمجموعة من (المتهمين) . وكان ابي هو الوحيد فيها الذي اقتيد الى سجن الكوت ، لأنه رفض الاذعان الى طلب ( المحكمة) في شتم رموزه الحزبية والوطنية ، كانت الشتيمة تعني (الحرية)، والافلات من قيد السجن ، والعودة الى بيت الاسرة الضيق جداً والعائدة ملكيته للحكومة ، المكتظ ب(درزن) من افراد الاسرة ، أكبرهم كان طالباً في المرحلة المتوسطة . لم يك امام الاب سوى هذا الخيار ، الذي يعني صيانة وطنيته والحفاظ على شرفه الحزبي وموقفه الاخلاقي والانساني .. لينطفئ عنده القهر والاغتراب ، وينسلخ عن الواقع المرير فيتوحد مع ذاته في نشوة الحلم ، وكأنه في صحوة المواسم الخضراء ، التي لا تفتح للجروح باباً .
هذا جرى في عهد ما قبل 8 شباط ، في زمن كنا ننتظر فيه ان نجوب في ارض سلام جديدة ، ونرى عيوناً جميلة ونطير فيها محلقين نحو السعادة المنشودة .
لكننا نتناسى ان نقرأ الدمع والاحزان، أو نتفحص حجم الارتباك والتخبط الذي تمارسه اجهزة السلطة ، مشفوعة بمباركة وتأييد من يقودها . هي محنة وحيرة ، أقل نتائجها ان تبعثر نفسك وتخلخل جذورك ، فتظل تبحث عن اجوبة لاسئلة لا حدود لها.
من يدلني على اجابة تقنعني باسباب اصرار الزعيم على رفض طلب الحزب الشيوعي بالعمل العلني ، اسوة ببقية الاحزاب التي اجيزت عام 1960 واغلق الباب نهائياً امامه ، ليتحول الى حزب محظور قانوناً ، او حرمانه من الاشتراك في اول وزارة بعد تموز 58 ، وهو الحزب الوطني الاكثر تميزاً في مقارعة النظام الملكي الذي يتمتع بحقوق المشاركة والنشاط ، ما اسباب اعتماد الاوضاع الاستثنائية والاحكام العرفية اساساً لادارة البلاد وملء السجون بالمعتقلين؟ من يصدق ان تقارير مديرية الامن العامة منذ الشهر العاشر بعد تموز 58 ، المرفوعة لرئيس الوزراء كانت تحرض وتؤلب ضد اولئك المناصرين لسياسة الحكومة ، وتصفهم بالفوضويين ومثيري الشغب، معتمدة على مزاج العسكر بقبول التقارير وتعاطفهم معها .
ازعم مع نفسي انني اتناسى اسئلة كثيرة عن ممارسات ، وسلوك ، ومواقف دفعت الى نتائج كارثية توّجت بانقلاب شباط . فكان الموت يتربص عند البيوت والمنعطفات، والمطر والبرد يزحف علينا مثل الوحش، وبنادق (بور سعيد) تطل من الاعين الحمر، تنفتح نهاياتها مثل ليل اسود، لتنقض على الوجوه التي تتمرغ في الوحل.
في صبيحة ذلك اليوم.. انتفض سجناء الكوت ليطيحوا بابواب وجدران زنزاناتهم بغضب ، فاقتلعوها ب(كاناتهم) وهي المعروفة كملابس للسجناء، اندفعوا نحو الشارع الممتلئ غضباً وهيجاناً، واندّسوا بين المتظاهرين، حتى مغيب الشمس وجدوا انفسهم وحيدين، لكن الى اين؟ لا يأويهم سوى بعض صراخ الليل وصوت عصافير مذعورة. الاب المضرج بالحيرة والذهول لم يجد امامه خياراً سوى العزم على رحلة جديدة نحو المجهول، يودعه هدير مياه مرتعدة لمقدم سدة الكوت .. بعد سنوات عرف (العيال) ان (المعيل) في ريف الجنوب محملٌ باعوام جديدة من السجن الغيابي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بورخيس،هايزنبرغ وإيمانويل كانت

نص ونقد.. العبور والانغلاق: قراءة في قصيدة للشاعر زعيم نصّار

موسيقى الاحد: عميدة الموسيقيين

الكشف عن الأسباب والمصائر الغريبة للكاتبات

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

مقالات ذات صلة

يحيى البطاط: الشعر والرسم طريقان لمعرفة العالم، أو لتسكين الذات
عام

يحيى البطاط: الشعر والرسم طريقان لمعرفة العالم، أو لتسكين الذات

حاوره علاء المفرجي الشاعر والرسام العراقي، يحيى البطاط خريج جامعة البصرة تخصص رياضيات، حائز على جائزة الصحافة العربية عام 2010، يقيم منذ العام 1995 في الإمارات العربية المتحدة، وأحد مؤسسي مجلة دبي الثقافية، ومدير...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram