TOP

جريدة المدى > عام > مونولوجيا البوح والخراب..قراءة في رواية "تسارع الخطى" لأحمد خلف

مونولوجيا البوح والخراب..قراءة في رواية "تسارع الخطى" لأحمد خلف

نشر في: 7 فبراير, 2015: 12:03 م

يتمركز الخطاب الروائي في رواية (تسارع الخطى) للقاص والروائي احمد خلف في تنويعات أسلوبية ودلالية في تشكيل بنية الفضاء وتجليات معرفية على مستوى تعميق المستوى المضموني وفق سعي قصدي لاستيطان واقع مأزوم لاستدراج المتلقي عبر تهشيم البنى التقليدية وكسر قواع

يتمركز الخطاب الروائي في رواية (تسارع الخطى) للقاص والروائي احمد خلف في تنويعات أسلوبية ودلالية في تشكيل بنية الفضاء وتجليات معرفية على مستوى تعميق المستوى المضموني وفق سعي قصدي لاستيطان واقع مأزوم لاستدراج المتلقي عبر تهشيم البنى التقليدية وكسر قواعد الإنشاء التقليدي والتحليق بالحدث واطلاق العنان للذاكرة الاستبطانية وتأسيس منظومة إشارية وإيحائية وترميزية وصولاً الى مساحة الاستفزاز وتحريض التلقي والانفتاح على التأويل. وتلك الآليات والملامح التنويعية غالباً ما يلجأ اليها النص حيث يشتغل فوق مستوى الواقع باتجاه الأطر الفانتازية والسيريالية منطلقاً من غرائبية الواقع نفسه وبغية تعريته وكشف أزماته وعقده.
ويمكن توصيف رواية "شارع الخطى" بانها رواية حدث مركزي يمثل البؤرة التي تضيء وتؤدي الى الكشف عن أزمة الواقع وأزمة الشخصيات وتقدم رؤية اشتباكية مع لحظة مأزومة قائمة على الالتباس والغموض والمعنى الشائك في محاولة لتجسيد سيريالية الواقع الذي يعيشه ابطال الرواية .. والحدث هو اختطاف الكاتب والممثل المسرحي عبدالله من قبل عصابة شرسة واقتياده من حي البياع الى مساحة غريبة ومخيفة في منطقة سبع البور حيث كان عبدالله ينوي اللقاء برياض لإقناعه بالزواج من هند بعد ان أخبرته الأخيرة بحادث الاغتصاب المدبر في بيت ام فيصل وغاب عبدالله عن الأنظار قبل ان يرى او يتعرف على الشاب النزق رياض.
هذا هو الحدث الذي ينسج الروائي بنية الرواية عليه ومن ثم تبدأ التداعيات ومحاكمة الواقع عبر ثنائية الاغتصاب والاختطاف والدوران الكابوسي الذي غرق فيه البطل وعانى من عدمية كافكوية فهو مطلوب ومطارد في أجواء استلابية وقد تهشمت حياته وأحلامه المسرحية تحت وطأة الرعب والخوف والمطاردة.
كان ينوي الانتصار لابنة أخته هند فاصبح هو الضحية والقربان الجديد . ولعل المعنى يكتسب عمقاً ودلالة رمزية كون عبدالله يمثل المثقف النخبوي في مواجهة المد والخراب الشعبوي .ووفق هذا التأويل فان سعي البطل لتجسيد دور هاملت جاء متناغماً مع النزعة الهاملتية التي اشتغل عليها شكسبير من ان المثقف هو قربان كبريائه المعرفي ويبقى ضحية تأملاته السايكولوجية والشكوكية وغباب فعله المؤثر.
ووفق هذا التأويل تعد شخصية هاملت قناعا سرديا اشتغل عليه المؤلف لايصال شفرات ومعان رمزية حول انسحاق واستلاب المثقف واغترابه عن واقع كالح وملتبس ورديء فكان في حواراته الداخلية يتساءل: ماذا تفعل له ثقافته الواسعة في الخلاص من قتلة اميين!! هذا التساؤل الاشكالي يمثل احد تجليات الخطاب الروائي الذي ارتكز برمته على إشارة الاسئلة الوجودية في معنى الفكر في مواجهة الخراب ومعنى الحرية في مواجهة الاستبداد والطغيان.
لقد جاء الزمن السردي زمناً مهشماً ومقطعاً وشاحباً لينقل لنا شحوب ورداءة الزمن الحقيقي وتعميق دلالة الإدانة لواقع يسير على رأسه وسط تناقضات شاذة وقاسية . ولهذا نجد الروائي قد انطلق في روايته من النهاية – من ذروة الحدث – ثم انحدر الى البدء وتشظى باتجاه زوايا مظلمة ومنسية في مستويات المهمل والعابر .. او اللامفكر فيه في مرحلة تعاني الكثير من التناقض والسوداوية والعلاقات والقيم الرديئة. وقدرات الكاتب رياض الذي اغتصب هند بأساليبه القذرة وكشف عن انحداره الطبق الطفيلي حين افرز واقع ما بعد الاحتلال طبقات عشوائية احتلت حيزاً اجتماعيا وغابت التراتبية الموضوعية والعقلانية للقيم الطبقية القائمة على قوانين الصراع الطبقي التاريخي وليس على المصادفة الشاذة للصعود وارتقاء السلم الاجتماعي ذلك الصعود الشاذ الذي غالباً مايكون افرازياً غير موضوعي للحظة خارج المنطق العقلاني.
ولعل الرواية تتخذ من فكرة الاغتصاب بؤرة شفروية لإدانة الجريمة الشاملة للحظة تاريخية غارقة في مأزوميتها وغموضها .. وتتحول حتى الأمكنة الى أمكنة – معادية بحسب باشلار الذي قسم المكان الى أليف ومعاد – فالاغتصاب غادر معناه الجنسي والبيولوجي باتجاه تعددية المعنى وانشطار الفكرة فالاختطاف وموت الفن واختفاء الفكر وشيوع العسكرة والخوف والأجواء الكافكوية – الكابوسية – وغياب المعنى واندثار الجمال والانسان والفعل الانساني القائم على البناء والرقي والتحضر وشيوع الخيانة والوساوس والتجسس الضمني كلها مظاهر لفعل الاغتصاب الذي انتقل وفق مساحة التأويل من فعل بايولوجي سري الى قبح فضائي شامل ومشوه لكل القيم والمظاهر الانسانية.
نصف او ثلاثة أرباع شخوص الرواية مقتولون بالنفي والتفجيرات والالتحاق اليومي ونصفهم الاخر يجتر السأم والوسواس والجذام العقلي . ان الرواية توغل بنا في مديات سيريالية عدمية لتوصلنا بالنهاية الى السؤال الاستنكاري الصادم ووسط هذا الخراب: فمن الجريمة ان يقاد الكاتب ليكتب امجاداً زائفة لعائلة الرجل الكبير او الشخصية المهيمنة وكأن الكاتب في هذه النهاية اراد التعبير عن فكرة ان الخراب السيريالي والعدمية المقيتة تأتي حين تقرر ان نزيف انفسنا ونزيف اسئلتنا ونزيف التاريخ فينقلب الزيف الى طاعون سري ويتحول الى جذام يبتلع بشراهة كل القيم العليا والمثل الجمالية الراقية.
الرواية باسرها كانت شفرة تشتغل على التأويل وكأنها القت لنا (صرة) ام عباس التي قتلت بتفجير انتحاري في سوق البياع وعلينا ان نلملم بقايا اسئلة منشطرة ومتشظية لتعيد انتاج الفكرة.
وربما تكون لكاتب السؤال مشروعيته الاحداثية والمنطقية: هل كان النص السردي هو عبارة عن اجترار مونودرامي لشخصية تعاني من الوسواس القهري والقمع المعرفي فأخذت تنسج كابوسها الداخلي كنوع من التنفيس او الاحتجاج لايستحق ان يعاش بل يستحق ان يُفضح .. وبالتالي يمكن القول: هل ما حدث قد حدث فعلاً ام انه حدث في اطار الوهم الاحتجاجي لمثقف هاملتي النزعة يلجأ الى التفلسف والانكفاء الذاتوي كوسيلة لمحاربة واقع قاس وكالح .. وتزدوج الإدانة باتجاه المثقف الذي يرزح تحت وطأة واقع هش ومتناقض وعشوائي .. تلك هي اللحظة التي يتفجر فيها المعنى الكامن لتراجيديا الصراع القيمي القائم على ثناية المعرفة وسلطة الجهل .. الإثراء والفراغ .. الحقيقة والزيف والعقل والجنون والحلم والكابوس والإرادة والأسلاب. وتصبح الفكرة النهائية من ان الحياة بكل تناقضاتها وواقعها التراجيدي ماهي الا حكاية مدبرة يكتبها مؤلف معتوه .. هذا ما تردده الرواية في سطورها الاخيرة.
تمثل رواية شارع الخطى انتقالة مهمة ومؤثرة في أسلوب الروائي والقاص المتميز احمد خلف واضافته الى مشروعه السردي للتصدي الى مشكلات وتناقضات وتحولات الواقع وإفرازاته وفق معالجة فنية للخروج بنصوص تضيء ماهو جمالي ومعرفي وتطرح الكثير من الاسئلة الجوهرية في البحث عن الانسان والحرية والوجود والجمال والقوة الإشراقية.
• شارع الخطى: رواية صدرت عن دار المدى للإعلام والثقافة والفنون 2014.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

علم القصة - الذكاء السردي

عدد خاص للأقلام عن القصة القصيرة بعد ثلاثة عقود على إصدار عدد مماثل

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram