من مظاهر قلّة الحياء في دولتنا أن الكثير من كبار المسؤولين فيها يتصرف بوصفه متمنناً ومتفضلاً على الدولة والمجتمع ليس فقط في ما يقوم به شخصياً وإنما أيضاً في ما تقوم به وزارته أو مؤسسته أو دائرته، حتى لو لم يتعدَ دوره في المنجز التوقيع على أمر إداري!
في العاصمة بغداد، كما في سائر المدن، ترتفع على أرصفة الشوارع ونواصيها وعلى حافات الساحات العامة لافتات كبيرة محمولة بروافع وأطر معدنية ومكتوبة بخطوط عريضة ملونة، تعلن عن البدء بمشروع أو الانتهاء من آخر .. ومن الواضح ان هذه اللافتات ما من نفع فيها أو فائدة لها غير عمل دعاية للوزير أو رئيس المؤسسة أو المدير العام، وأحياناً بعض أفراد بطانته.
قبل أكثر من سنة انتصبت أكثر من لافتة على جانبي شارع 14 تموز في بغداد (المار بمحاذاة مطار المثنى القديم)، كلها تعلن عن انه بأمر من رئيس الوزراء ستجري لجنة الحشد الوطني أعمال ترميم وصيانة وتحسين للطريق التي يستخدمها عادة زوار مرقد الإمامين الكاظمين في موسم الزيارة، وكُتب فيها ان مدة الإنجاز 55 يوماً.. اللافتات قائمة حتى اليوم تصرخ في وجوه مستخدمي الطريق، فيما لم توضع طابوقة واحدة لزوم أعمال الصيانة والترميم!
من اللافتات الأخرى من هذا النوع ترى إعلانات من رئيس مجلس المحافظة أو المحافظ أو مدير البلدية تتبجح بان هذا الشخص قد أمر بتشجير شارع أو إنارته أو فتح طريق لا يتجاوز طولها بضع عشرات من الأمتار، ومنها أيضاً لافتات تعلن عن عروض مسرحية أو سينمائية أو برامج أو مسلسلات تلفزيونية، تتصدرها أسماء المدراء العامين بوصفهم مشرفين عامين ثم المدراء الفنيين بوصفهم مشرفين فنيين، ثم تلي ذلك بحروف أصغر أسماء الممثلات والممثلين والمخرجين والمصورين!
هذا كله عمل معيب للغاية، فوضع حجر الأساس لمشروع أو تشجير شارع أو بدء خدمة ما او القيام بنشاط ثقافي، هو من صميم واجبات الوزير أو رئيس المؤسسة أو المدير العام أو مدير البلدية الذي لا يقوم بهذا العمل -إن قام به شخصياً– مجانا وتبرعاً.. إنه يتقاضى عنه راتبه الشهري، وهو راتب مميز بالطبع بالمقارنة مع رواتب الموظفين والعمال الذي يتولون تنفيذ المشروع أو تقديم الخدمة بأنفسهم. بل إن الوزير ورئيس المؤسسة والمدير العام يتقاضى فوق راتبه مخصصات قد تزيد عن راتبه، وفي حالات غير قليلة يتقاضى الوزير أو رئيس المؤسسة أو المدير العام، فوق هذا كله، رشى لقاء المشروعات التي يتبجح بقرب الشروع بها أو الانتهاء منها بعد طول انتظار.
هل قلت إن هذا من مظاهر قلة الحياء في دولتنا؟ .. انه انعدام للحياء في الواقع، يتعيّن وضع حدّ له في الحال وتوفير الأموال التي تُنفق على هذه الإعلانات الكريهة، فنحن الآن في حال تقشف.
مسؤولون بلا حياء
[post-views]
نشر في: 8 فبراير, 2015: 11:32 ص