أراد فرانز كافكا أن يودع العالم بعيدا عن الناس، فاختار لنفسه مصحة في اطراف مدينة فينا، ليلفظ فيها اخر أنفاسه، كان ذلك عام 1924، مات وحيدا بعد ان رسم لنا صورة قاتمة لعالم محزن كانت فيه المحاكمات العبثية نموذجا يحكم العديد من بلدان العالم، فيما يخضع جوزيف.ك بطل القصر لعملية "غسيل دماغ"، لقد استغرق الأمر منه سنوات حتى فهم معنى العبث الذي يصر البعض ان يفرضه على الناس.
بالأمس تذكرت رواية كافكا الشهيرة "المحاكمة" وانا اقرأ الخبر المثير للجدل الذي يقول ان محكمة الرصافة، اعتبرت مواقع التواصل الاجتماعي من وسائل الإعلام المُشار إليها في قانون العقوبات، والتي ترتّب على من يقذف ويسبّ عبر تعليقاته الشخصية به، إجراءات عقابية، وفقاً لقانون العقوبات النافذ".
في "القصر " يحاول بطل فرانز كافكا أن يُعلّم أهل المدينة أن حقوق الإنسان مسألة تستحق أن يُقاتَل من أجلها، وأن قوانين القصر ليست منزلة من السماء، يحاول أن يفتح أعينهم على أن "الذين يرتعدون مع كل دَقّة على الباب، لا يمكن أن يروا الأشياء على حقيقتها"، الشعوب من دون حريّة لا يعود لها وجود.. ولهذا تحاول الحكومات الشمولية ان تنوع المحظورات وتتنافس في سن قوانين خاصة بها.
كما أن هناك "متفلسفون" في السياسة، يوجد أيضاً "متفلسفون" في القانون للأسف، وكما يوجد مغرضون في الخطاب السياسي، هناك بالقدر نفسه من يحاول ان يجعل من القضاء للأسف طريقاً لقهر قيم الديمقراطية والليبرالية. وكما واجهنا بكل أشكال الإدانة هؤلاء الذين افسدوا في مؤسسات الدولة، فإن الواجب يقتضي التعبير عن الاستنكار لمثل هكذا قرارات تحاول الإطاحة بقيمة الحرية.
يكتب الكواكبي في طبائع الاستبداد "المستبد إنسان، والانسان اكثر ما يألف الغنم والكلاب، فالمستبد يريد ان تكون رعيته كالغنم ذلا وطاعة وكالكلاب تذللا وتملقا" ويمضي اكثر دقة حين يقول " الاستبداد صفة الحكومة المطلقة العنان، التي تتصرف في شؤون الناس بلا خشية حساب وعقاب محققين".
الافكار هي التي اسقطت تمثال صدام حسين، وهي التي تخلصت من اخر ذكرى للجنرال فرانكو.. يربح الطغاة الحروب لكنهم يخسرون معركة الحياة، حروب التاريخ يربحها الاحرار وذوو النوايا الحسنة.
ياسادة هذه ليست معركة من اجل حماية عدد من المفسدين وناهبي المال العام. هذه الحرب الكبرى من أجل بناء دولة ديمقراطية تؤمن بشرعية الحياة والتنوع. وهي حرب يجب ان نخوضها للنهاية من اجل كشف المزيفين وسراق الحياة. يا سادة من يحتاج إلى حماية حقيقية الآن هم شباب العراق، أو بالأحرى، شباب الفيسبوك، لا نهازي الفرص ومغتنمي السلطة.
في مدينة كافكا نعيش مع ساسة يحولون الحق إلى ضلالة والحياة إلى جحيم يكتوي بنارها معظم الناس، كم مثير للاشمئزاز إن الساسة الذين كانوا يطالبون بالحرية نراهم اليوم يمارسون الوحشية والاستبداد التي مارسها صدام وأبناؤه ومقربوه من قبل، في القصر الكافكوي تغيب العدالة وتصبح الديمقراطية مجرد واجهة لسرقة احلام الناس ومستقبلهم، لتتحول إلى شعارات وخطب يلقيها علينا صباح كل يوم مجموعة من مزوري الديمقراطية وأصحاب الصوت العالي والصاخب.
في نهاية رواية المحاكمة يعلمنا بطلها جوزيف.ك أن هناك وسيلة واحدة للخلاص، فقط هي قول "لا".
واعتقد هي الوسيلة الوحيدة لان يقول سكان جمهورية الفيسبوك لا لمثل هذه القرارات.
يا رعايا جمهورية "الفيسبوك" اتحدوا
[post-views]
نشر في: 8 فبراير, 2015: 11:29 ص