يرتكب الاعتداءات الجنسية على الأطفال،عادة، أصحاب السوابق، الذين غالباً ما تكون جرائمهم بحق الأطفال ليست المرة الأولى. ولا تتجاوز نسبة من يرتكبون مثل هذه الجرائم للمرة الأولى عتبة الـ25% وفقا لتقديرات غير رسمية، في حين يواصل نحو 75% من أصحاب السوابق ا
يرتكب الاعتداءات الجنسية على الأطفال،عادة، أصحاب السوابق، الذين غالباً ما تكون جرائمهم بحق الأطفال ليست المرة الأولى. ولا تتجاوز نسبة من يرتكبون مثل هذه الجرائم للمرة الأولى عتبة الـ25% وفقا لتقديرات غير رسمية، في حين يواصل نحو 75% من أصحاب السوابق ارتكاب جرائمهم المرة تلو المرة، لا يفصل بينها سوى فترة الحكم التي يقضيها المجرم داخل السجن. فما إن يخرج حتى يعاود البحث عن ضحية جديدة لاقتراف جريمته البشعة، وقد ينجح في ارتكاب عدد منها في غفلة عن عيون الناس والقانون.
وللتأكيد فقط، فإن أول الاجراءات التي تتبع ، من وجهة نظر الخبراء ، عند كل حادثة اغتصاب جديدة، هي عرض صور لمشتبه بهم وأصحاب سوابق. في حين لا تعود نسبة قليلة منهم إلى اقتراف مثل هذه الجرائم من جديد. كما يلوذ بالفرار عشرات بل مئات منهم كون ضحاياهم من الأطفال غير القادرين على الدفاع عن أنفسهم، او غير القادرين على التعرف على الجُناة.
ويضيف الخبير، بأن الأمر يزداد سوءاً عندما يكون المجرم المغتصِب ممن سبق له أن تعرض لاعتداء من قبل شخص آخر، إذ تصبح هذه الجريمة بالنسبة له تفريغا للشحنات السلبية التي تملأ حياته فتشعره بالارتياح أو باسترداد الكرامة كونه يتشارك مع الطفل الذي يعتدي عليه الشعور نفسه. ولطالما بقيت هذه الجرائم في ذاكرة الأطفال المعتدى عليهم على شكل كوابيس وأمراض نفسية تحتاج إلى الكثير من الرعاية النفسية والاجتماعية، التي تعجز عائلات وأسر فقيرة الحال عن توفيرها للأطفال المعتدى عليهم لتجاوز الأزمة، ما يجعل من أثرها تدميريا عليهم، وتؤدي إلى تدمير مستقبل الطفل أو دفعه باتجاه خاطئ قد يؤدي إلى إعادة التجربة مع طفل آخر.
وهذا ما يثير العديد من التساؤلات عن جدوى الوظيفية الإصلاحية لأماكن التوقيف، سواء السجون أم دور الأحداث، وهل فعلاً تساهم هذه الأماكن في إصلاح المجرم؟ أم انها مجرد مكان للعقاب لا يفعل أكثر من أنه يساهم في زيادة غلو النزيل فيه ويؤجج حقده على المجتمع؟ خاصة مع كل هذه التجاوزات التي تقع في مراكز توقيف الأحداث من اعتداءات جنسية وجسدية، تعمق النزعة الإجرامية لدى الطفل الموقوف أكثر مما تزيلها أو تهذبها.
ونورد في هذا السياق تجربتين ناجحتين:
في العام 1994 شهدت الولايات المتحدة الأميركية جريمة شنيعة، راحت ضحيتها الطفلة ميجان نيكول كانكا، التي تعرضت للاغتصاب والقتل على يدي مجرم ذي سوابق، وكانت لهذه الجريمة تداعيات قانونية بالغة، فالقانون الأميركي أصبح منذ ذلك الحين يُلزم مرتكبي هذا النوع من الجرائم على تسجيل أسمائهم في أقرب مركز للشرطة، خلال وبعد إنهاء مدة العقوبة، كما يتم تعميم أسمائهم على شبكة الانترنيت، بحيث يتمكن اي شخص من معرفة ما إذا كان يعيش بالقرب منه شخص له سوابق. وبالتالي أخذ الحذر والحيطة.
وفي تشيكيا هناك قانون أكثر ردعاً يقضي بإخصاء المعتدين على الأطفال من خلال الإخصاء الجراحي والكيميائي الذي تلجأ إليه السلطات مع المتهمين بالاعتداء الجنسي على الأطفال. وهو يتم بموافقة الذين ارتكبوا اعتداءات جنسية وجرائم قتل، كبديل عن قضاء حياتهم كلها سجناء في مستشفى للأمراض النفسية. علماً أن جميع المدانين بتهمة الاعتداء الجنسي على الأطفال يخضعون في تشيكيا لما يطلق عليه "العلاج الوقائي" في مستشفيات للعلاج النفسي، حيث يخضعون للإخصاء الكيميائي في حال أرادوا ذلك. وهذه العمليات لا تجرى إلا ضد أولئك الذين يكررون اعتداءاتهم، وأغلبهم مدمنون على الكحوليات والمخدرات.
التجربتان أثبتتا تقدما ملحوظاً في خفض معدلات الاعتداءات الجنسية المرتكبة ضد الأطفال، ولا يزال البحث جاريا عن توفير بدائل إضافية تكون أكثر أمانة، ليست علاجية فقط، بل ووقائية أيضاً. ولا يظن الخبير أنه من الصعب تطبيقهما في البلدان العربية،، بل يعتقد أنه من الواجب تطبيق مثل هذه الإجراءات على مغتصبي الأطفال، بحيث يتم نشر أسمائهم في أقسام الشرطة، ولدى مختاري المناطق، وتعريف الناس بهم، كما يجب ان تتم مراقبتهم عن كثب بسبب افتراض إمكانية تكرار الاعتداء، و يجب ان يقوموا بالمراجعة الدورية بعد انتهاء مدة العقوبة للتأكد من سلوكهم وأفكارهم. وليس من باب التندر أقول ان على الدولة أن توفر لهم قدرا وافيا من الرقابة بنفس القدر الذي توفره لمراقبة السياسيين المعارضين لها، لأن نجاحها في مراقبة مغتصبي الأطفال من أصحاب السوابق، سيؤمن لها خدمات أرقى وأجل من المهمة الثانية. وإذا كنا ننتظر الدافع لنتخذ إجراء مثل الإجراء الذي اتخذته الولايات المتحدة عقب جريمة الفتاة ميجان كانكا، فليس من الواجب التذكير بأية حادثة مؤسفة أخرى، ولربما ستبقى طفلة النشابية المثال الكثر سطوعاً لفترة طويلة من الزمن .