كاتم الأسرار منصب لم يعرفه العرب القدماء ، ويقال انه استحدث في العصر العباسي بعد التعرف على تجارب دول خارجية ، وكان اختيار الشخص المناسب لشغل المنصب يتم عن طريق الملك او الخليفة او السلطان ، والقضية لا تخضع الى توافقات ، وتفاهمات ، وصاحب القرار ربما استشار احدى زوجاته ، او احد المقربين في اختيار كاتم اسراره ، فيمنح صلاحيات واسعة ، تصل في بعض الأحيان الى كتم أنفاس المعارضين لإحباط المؤامرات سواء كانت داخلية او خارجية ، او في القصر الملكي والبلاط ، وبفرضية اطلاعه على الصغيرة والكبيرة وتقديم المشورة في كل القضايا ، حقق كاتم الأسرار حضورا مهما في الحياة الشخصية للخلفاء والملوك والسلاطين ، فكان صاحب الصوت الأعلى في إصدار قرارات مصيرية ، مثل خلع ولي العهد ومنح المنصب الى ابن الزوجة الثانية ، وقتل الشقيق بتهمة محاولة تنفيذ انقلاب ابيض ، ونفي الزوجة الاولى مع أولادها الى جزيرة نائية لمنع تدخلها في الشأن السياسي .
على الرغم من انقراض منصب كاتم الأسرار انتقلت أهميته للزمن الحاضر، فحرصت الاحزاب على منح احد قيادييها البارزين منصب امين سر التنظيم السياسي ، وطبقا لنظرية ان الرجل الشرقي سواء كان مسؤولا او سياسيا او من عامة الناس ، لديه رغبة في معرفة اسرار الاخرين والحفاظ على أسراره الشخصية ، انتشرت في الدوائر الرسمية ومنذ سنوات ظاهرة أعادة إحياء دور كاتم الأسرار بصيغ جديدة وبصفة مخبرين سريين ، مهمتهم نقل كل صغيرة وكبيرة الى المدير العام او الوزير او وكيله ، ومقابل هذه الخدمة يحصل صاحبها على مكافأة مالية ، وأفضلية في الانضمام الى وفد الدائرة للسفر الى الخارج لتبادل الخبرات وتطوير الأداء والارتقاء بمستوى العمل ، وهناك فصيلة اخرى من كاتمي الأسرار ، بإعداد قليلة جدا ، مهمتهم تتعلق بترتيب المكتب الخلفي لمعالي الوزير ، لتوفير أفضل الأجواء لتنفيذ برنامج الوزارة خلال حمل معاليه حقيبتها لمدة اربع سنوات .
المكتب الخلفي لصاحب المعالي يقع عادة في جناح مستقل ، له باب دخول وخروج يعملان بأرقام سرية ، يخلو من الكاميرات ومجسات الإنذار المبكر ، يحتوي على غرف بديكورات مختلفة ، وألوان جدرانها تبعث على الهدوء والاسترخاء ، الأضواء خافتة ، والأثاث مستورد وبموصفات خاصة ، فالاريكة يمكن ان تتحول الى سرير بنفر واحد ، حتى لا يفسر أصحاب النيات الخبيثة الأمر بشكل ينافي الحقيقة ، لكي يتمدد عليه صاحب المعالي، ويدخل في تأملات وحوار فكري مع النفس للخروج بأفكار تسهم في تطوير العمل، و تجعل مراجعي دوائر الوزارة يهتفون في اليوم التالي بالروح بالدم نفديك يا صحاب المعالي.
بعض وزراء الحكومة الحالية أصحاب المكاتب الخلفية ولحاجتهم الماسة الى كاتمي أسرار اختاروا برلمانيين من أعضاء الدورة التشريعية السابقة ليكونوا مستشارين ، ووقع اختيار أصحاب المعالي على السيدات للإشراف على المكتب الخلفي .
مكتب الوزير الخلفي
[post-views]
نشر في: 8 فبراير, 2015: 05:16 ص